رأيصحيفة البعث

الثلاثاء “الكبير” أم الخطير؟!

أحمد حسن

بغض النظر عن اسم الفائز في الانتخابات الرئاسية الأمريكية فإن يوم “الثلاثاء الكبير”، وما بعده، سيعيد التأكيد على حقيقة جليّة مفادها أن سكان مركز “الإمبراطورية” وساستها لا يتفقون إلّا على أمرين اثنين لا ثالث لهما، أولهما متابعة عملية استعباد العالم ونهب ثرواته، وإن اختلف الوسائل بين “الجمهوري” والديمقراطي”، وثانيهما أن أمريكا، الدولة والإمبراطورية، في أزمة، وذلك ما ينتج عنه، استتباعاً، أن العالم بأسره في ورطة.

الاتفاق على استعباد العالم لا يحتاج إلى دليل، فكلا المرشحين الرئاسيين، كمالا هاريس ودونالد ترامب، ليسا إلّا نتاج لهذه “الرؤية” وتوجهاتها، كما إنهما مكلفان، كمن سبقهما، بتنفيذها، أما “الأزمة” فصورها متعدّدة للغاية، ويمكن مثلاً تلمّس أول هذه الصور في شخصية المتنافسين ذاتهما، فـ “هاريس” لم تكن سوى البديل الوحيد المتاح حينها لـ”جو النعسان” الذي انتخبه الحزب الديمقراطي في المرحلة التمهيدية كمرشح لولاية جديدة رغم كل مظاهر عدم الاتزان الشخصي التي بدت عليه حينها، فيما لم يجد الحزب الجمهوري من “رمز” له في هذه السنوات الأخيرة سوى “ترامب” بجموحه الشعبوي والعنصري و”البلطجي” الفاقع كمعبّر طبيعي عن الدرك الذي وصله هذا الحزب.

بيد أن أمر “الأزمة” أعمق وأبعد، بكل تأكيد، من الصفات الشخصية للمتنافسين، فذلك ليس سوى “القشرة” التي تحاول ستر الجوهر الذي يتمثّل، باختصار شديد، بوجود انقسام حقيقي وعميق – مؤهّل ليتحول إلى دموي كما بيّنت “غزوة” الكونغرس بعد الانتخابات الماضية – بين نخبة سياسيّة وماليّة ليبرالية وبين حالة شعبوية محافظة، وبكلمة أخرى بين “الأمركة” الضيقة والعولمة، وبالتالي بين رؤيتين مختلفتين لأميركا ودورها وسبل تحقيق رفاهيتها، وضعت البلاد، بحسب الرئيس الأمريكي الأسبق، باراك أوباما، أمام “تحديات رهيبة” لا يملك أحداً حتى الآن شيفرة حلها.

ولهذا “الجوهر” جوهر أبعد وأعمق وهو يتمثّل، بعبارات بسيطة، بازدحام طريق السباق على قمة العالم بالمتسابقين – وتلك سنة الكون في الامبراطوريات صعوداً وهبوطاً – ومع هذا الازدحام الناجم عن صعود بطيء، لكن ملموس، لقوى أخرى تتراجع الهيبة الأمريكية عالمياً، وتزداد الندرة في الموارد الاقتصادية – الموارد الإمبراطورية تحديداً – وهي الأهم، ثم يحدث أن “القلة تولّد النقار”، كما يقول مثلنا الشعبي، وتظهر أسوأ ما في الأشخاص، وهذا ينطبق أيضاً على الدول، وأمريكا واحدة منها.

خلاصة القول.. شخصية المتنافسين الرئاسيين ذاتهما تعبّر عن أزمة أمريكا، لكنها، أي الشخصية، تلعب دوراً في تفاقم الأزمة أيضاً: هاريس لم تستطع أن تخرج نفسها من صورة البديل الاضطراري للمرشح الأصلي وبالتالي لم تقدم حلاً ناجعاً لقضايا حزبها ذاته فما بالك بالبلد والعالم كلّه، وترامب لا يملك، كما هو معتاد منه، سوى خطاب “البلطجة” المنفّر، خارجياً وداخلياً، وقد ختمه حتى هذه اللحظة بالتهديد من مغبّة سرقة “حقه الطبيعي” بالرئاسة عبر “التزوير” مستبقاً أي خسارة قادمة ومهدداً بجعله “الثلاثاء الكبير” فعلاً لا اسماً فقط.

لكن المعضلة الكبرى تتمثّل في أن معادلة عالم اليوم تقوم على حدّين متلازمين طرداً، أمريكا في أزمة أي العالم بأسره في ورطة، لأن الوحش الجريح سيحاول لعق الدماء عن جروحه – وقد تتزايد كميتها داخلياً بعد هذا “الثلاثاء الكبير” – وإغراق العالم بها، وذلك عين ما يحدث في منطقتنا كما في أوكرانيا هذه الأيام، ولا ندري بعد أين هي البؤرة الجديدة التي ستغرق بالدماء الإمبراطورية بعد “الثلاثاء الخطير” هذا.