غزة.. مشهد من الجحيم والموت والدمار
سمر سامي السمارة
أثار ما سُمّي بـ”خطة الجنرالات” -وهي اقتراح للتطهير العرقي في شمال غزة- الكثير من الفزع، لكن الباحث الإسرائيلي إيدان لاندو، كشف في مقاله الذي نُشر باللغة الإنكليزية في مجلة “+972” مؤخراً، أن ما يقوم به الجيش الإسرائيلي بالفعل في شمال غزة أكثر رعباً وفظاعة من الخطة التي وضعتها مجموعة من الجنرالات المتقاعدين، مضيفاً: إن التركيز على تفاصيل خطة الجنرالات كان بمثابة طمس للوحشية الحقيقية للعمليات الإسرائيلية المميتة في شمال غزة، والتي تحوّلت إلى مشهد من الجحيم والموت والدمار جراء الهجوم العسكري والحصار المستمر على القطاع.
استهل أستاذ اللغويات في جامعة تل أبيب إيدان لاندو، عموده الذي نشر لأول مرة باللغة العبرية على مدوّنته بالإشارة إلى صورتين، إحداهما تظهر احتفالاً في مخيم أقامته منظمة استيطانية إسرائيلية خارج قطاع غزة مباشرة، والأخرى تظهر فلسطينيين نازحين مصطفين تحت تهديد السلاح وسط أنقاض شمال غزة.
علق لاندو على الصورة قائلاً: “تروي هذه الصور قصة تتطور بسرعة كبيرة لدرجة أن تفاصيلها المروعة أصبحت على وشك النسيان بالفعل”. ومع ذلك فإن هذه القصة يمكن أن تبدأ من أي نقطة خلال الأعوام الستة والسبعين الماضية: نكبة عام 1948، وخطة “السياج” التي أعقبتها، ونكسة عام 1967، فمن أحد جوانب الصورة، يظهر الفلسطينيون الذين تمّ طردهم وتهجيرهم من أرضهم يحملون كل ما يستطيعون حمله من متاع، جرحى ومنهكين يتضوّرون جوعاً، بينما، يظهر المستوطنون المبتهجون، وهم يقدّسون الأرض الجديدة التي تمّ تطهيرها من سكانها الأصليين.
كما أشار لاندو إلى أن ما نفّذه الجيش الإسرائيلي في شمال غزة في الأسابيع الأخيرة “ليس تماماً” خطة الجنرالات، والتي تتضمن إعطاء الفلسطينيين المتبقين في المنطقة أسبوعاً لمغادرتها قبل إعلان المنطقة منطقة عسكرية مغلقة، واعتبار كل من يظل “إرهابياً” يمكن حرمانه من المساعدات الإنسانية وقتله، لافتاً إلى أن الإستراتيجية الفعلية التي ينشرها الجنود الإسرائيليون في شمال غزة هي نسخة أكثر شراً ووحشية من خطة الجنرالات “في منطقة أكثر اكتظاظاً”.
وأوضح لاندو، أن التمييز الأبرز والأكثر إلحاحاً هو التخلي عن الأحكام الخاصة بتقليل الضرر الذي يلحق بالمدنيين، أي إعطاء سكان شمال غزة أسبوعاً للإخلاء جنوباً، أما رحلة المغادرة الثانية، فتتعلق بالغرض الحقيقي من إخلاء المنطقة، ففي حين صوّرت العملية العسكرية باعتبارها ضرورة أمنية، فإنها كانت في الواقع تجسيداً لروح التطهير العرقي وإعادة التوطين منذ اليوم الأول.
وفي السياق أضاف لاندو، على النقيض من الصورة التي قدّمها الجيش، وتوحي بأن السكان في المناطق الشمالية كانوا يتمتعون بحرية التنقل والتحرك جنوباً والخروج من منطقة الخطر، قدمت الشهادات المحلية واقعاً مخيفاً، أكد أن أي شخص حتى لو خرج من منزله كان معرضاً لخطر إطلاق النار عليه من قبل القناصة الإسرائيليين أو الطائرات بدون طيار، بما في ذلك الأطفال الصغار وأولئك الذين يحملون الأعلام البيضاء، كما كانت تتعرّض طواقم الإنقاذ التي تحاول مساعدة المصابين للهجوم، بالإضافة إلى الصحفيين الذين كانوا يحاولون توثيق الأحداث.
ويستشهد الباحث بـ فيديو مروع للغاية، يظهر فيه طفل فلسطيني مرمياً على الأرض وهو يتوسل طلباً للمساعدة بعد إصابته بغارة جوية، وعندما تجمع حشد لمساعدته، تعرضوا أيضاً لغارة جوية أخرى، ما أسفر عن استشهاد شخص وإصابة أكثر من 20 آخرين، مؤكداً أن هذا هو الواقع الذي كان من المفترض أن يسير في ظله سكان شمال غزة، جائعين ومنهكين إلى مناطق الإغاثة الإنسانية، فمنذ بدء العمليات العسكرية الإسرائيلية في شمال غزة، استشهد أكثر من ألف فلسطيني في يوم واحد، وعادة ما تقصف القوات الجوية الإسرائيلية المناطق ليلاً بينما يكون السكان نائمين، ما يؤدي إلى استشهاد أسر بأكملها في منازلها ويصبح إجلاء المصابين أكثر صعوبة. كما أكد لاندو أن الهجوم العسكري المميت كان مصحوباً بـ”سياسة تجويع” أعاقت بشدة تدفق المساعدات الإنسانية إلى شمال غزة.
في السياق، حذّر رؤساء وكالات الأمم المتحدة البارزة ومنظمات حقوق الإنسان مؤخراً، من أن الظروف على الأرض في المنطقة أصبحت مروعة، وأن السكان الفلسطينيين بالكامل في شمال غزة معرضون لخطر الموت الوشيك بسبب المرض والمجاعة والعنف.
وأشار لاندو إلى أنه في 16 تشرين الأول الماضي، ورد أن حكومة الاحتلال سمحت لـ 100 شاحنة مساعدات بدخول شمال غزة، لكن الصحفيين في الشمال سارعوا إلى تصحيح السجل، مؤكدين أنه لم يدخل أي شيء على الإطلاق إلى المناطق المحاصرة، كما كتب لاندو.
وفي العشرين من تشرين الأول، رفضت “إسرائيل” طلباً آخر من وكالات الأمم المتحدة لإدخال الغذاء والوقود والدم والأدوية، وبعد ثلاثة أيام، تقرّر عدم السماح بدخول أي مساعدات إنسانية إلى شمال غزة حتى تلك النقطة. وبحلول هذا الوقت، أصبح الحديث بالفعل عن حصار غذائي لمدة ثلاثة أسابيع.
ونشرت مجلة +972 عمود لاندو بعد يوم واحد من تحذير فرانشيسكا ألبانيزي، المقرّرة الخاصة للأمم المتحدة بشأن الأراضي الفلسطينية المحتلة، في بيان لها من أن “الوقت ينفد” لوقف محاولة الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة محو الفلسطينيين من أرضهم والسماح “لإسرائيل” بضمّ الأراضي الفلسطينية بالكامل.
قالت ألبانيزي: “الإبادة الجماعية والكارثة الإنسانية التي من صنع الإنسان تبدو واضحة أمامنا في غزة. مضيفةً، أشعر بالأسف لرؤية العديد من الدول الأعضاء وهي تتجنّب الاعتراف وتتجاهل معاناة الشعب الفلسطيني بدلاً من ذلك”.