المدن الذكية في الصين تقدم نموذجاً لمستقبل المشاريع العمرانية
بكين – ريم ربيع
بعد كل التلوث البيئي الذي رافق التطور في البناء الحضري والتوسع بالنشاط العمراني في المدن الكبرى، أصبح التركيز اليوم على تقليص هذا التلوث إلى حدوده الدنيا، والتوجه إلى نشاط عمراني من نوع آخر يأخذ من حماية البيئة والاستدامة هدفاً أساسياً لم تعد رفاهية إغفاله أمراً متاحاً، فأصبحنا نرى معظم المشاريع العمرانية الجديدة في الكثير من الدول تعتمد على مفاهيم المدن الذكية والخضراء ومنخفضة الكربون، وتقليص استهلاك الطاقة، أو اعتمادها على المصادر الطبيعية، وإعادة التدوير واستثمار كل موارد الطبيعة بأفضل شكل ممكن.
هذا التوجه يمكن ملاحظته بمجرد الاطلاع على المخططات العمرانية في معظم المدن الصينية لاسيما بكين، فالجديد منها معظمه يعتمد نظام المدن الذكية، أما القديم فهناك توجه لتحويله إلى أقرب شكل ممكن للاستدامة. أما الوسائل لتحقيق ذلك، فيمكن الاطلاع عليها من خلال زيارة معرض العلوم والتكنولوجيا لعام 2024، الذي يعرض أحدث التطورات في التنمية الحضرية المستدامة وتقنيات البناء، والذي تستضيفه لهذا العام شركة هندسة البناء الحكومية الصينية (CSCEC).
المعرض الذي يقام تحت عنوان “التكنولوجيا تمكن من حياة أفضل، والابتكار يقود البناء الصيني”، ينقسم إلى ثلاثة مجالات: “بناء مدينة متناغمة”، و”توسيع بيئة معيشية سعيدة”، و”الترويج للبناء الصيني”، وهو يضم سبعة مناطق عرض تركز على المدينة الصالحة للعيش، والمدينة المرنة، والمدينة الذكية، والمدينة الخضراء ومنخفضة الكربون، والمنزل الجيد، والبناء الذكي، ومشاريع البناء الكبرى، ويضم 167 ابتكارًا في مجال الرقمنة والتصنيع والتطوير الذكي لقطاع البناء.
وخلال جولة ضمن المعرض، تطلع على أساليب البناء الحديث، والمواد والتقنيات العازلة، والأخرى التي تحافظ على نظافة البيئة، والتقنيات الحديثة للطاقة المتجددة، والروبوتات الذكية المخصصة لأعمال البناء، والجمع بينها وبين التقنيات الصناعية، وتقنيات ترميم البيوت القديمة لتحويلها إلى شقق “ذكية” وصديقة للبيئة بفترة زمنية قياسية، وبتكلفة لاتتجاوز 1600 ايوان لكل متر مربع، فبزيارة مقر شركة (CSCEC) تشاهد شققاً لاتتجاوز مساحتها 36 م2 تم ترميمها واستثمار المساحات الضائعة فيها واستخدام التقنيات الحديثة لتؤمن كافة احتياجات الأسرة متضمنة وسائل الرفاهية.
نائب وزير العلم والتقنية الصيني بيّن أن الحكومة أعطت الأولوية للابتكار التكنولوجي، وأسرعت بالصناعات الناشئة، ومواصلة تحسين البيئة والسياسات الداعمة لتنمية التكنولوجيا، واستثمرت ٣٠٨ ترليون ايوان للبحث والتطوير، حتى تقدم ترتيب الصين في 2024 من المركز ٣٤ للمركز ١١ في مؤشر الابتكار العلمي، وهي اليوم تضم أكبر عدد من مجموعات الابتكار، وجعلت من التكنولوجيا القوة الدافعة للتنمية، مؤكداً على التمسك بريادة بناء نظام صناعي حديث، حيث تم تحقيق انجازات في التكنولوجيا الكمية والذكاء والطب والطاقة الجديدة، ويتم استخدام الابتكار التكنولوجي للتصدي لتحديات المناخ والأمن الغذائي.
فيما أشار مدير التعاون الدولي بوزارة العلم والتنمية في إفادة صحفية لوفد من الصحفيين الأجانب في الصين، إلى أهمية إقامة دورات للدول النامية بالتكنولوجيا، وإنشاء مزيد من مراكز نقل التكنولوجيا، واستغلال مشاريع الشباب بمجال العلوم والتقانة، ومواصلة التعاون العلمي الحكومي وغير الحكومي في هذا المجال، حيث أطلقت الصين مبادرة تنمية عالمية لتقديم حلول لتحديات التكنولوجيا.
ويعرض قسم “المدينة المتناغمة” في المعرض نماذج من تصميم شركة CSCEC الصينية، كمعدات تنقية البيئة الفائقة المغناطيسية، ومواد التعقيم الفعالة وواسعة النطاق للمعادن الثقيلة للحصول على أرض أنظف، ومياه أكثر نقاءً، وأشجار أكثر خضرة، وأزهار أكثر عطراً، ويعرض نموذجًا للمبنى الذي يولد الكهرباء باستخدام جدار الستارة الكهروضوئية خفيف الوزن من سلسلة LIGHT، إلى جانب مجموعة من المباني التي تعمل على تحسين الحياة اليومية.
ويوضح القائمون على المعرض أن الابتكار التقني والعلمي أصبح البطاقة التعريفية الجديدة لبكين، ومن خلال التقانات الحديثة يتم التحكم بالجودة على مستوى ميلي متر، فيما ارتفعت كفاءة العمال خمسة أضعاف من خلال التقنيات، معتبرين أنه في المستقبل، يجب أن تسترشد التنمية الحضرية بمفهوم التنمية المتمثل في “قابلية العيش والمرونة والذكاء”، وأن تستكشف باستمرار نماذج جديدة للبناء الحضري والتشغيل والحوكمة، وتخطيط مساحة الإنتاج بشكل علمي، ومساحة المعيشة، والفضاء البيئي، وتحقيق التوازن بين الناس والطبيعة والتنمية والاستدامة.