النادي الأدبي يناقش علم اجتماع الفنّ والأدب
ملده شويكاني
ودع هريرة إن الركب مرتحل
وهل تطيق وداعاً أيها الرجل
ما قاله الأعشى استحضره د. عبد النبي اصطيف في جلسة النادي الأدبي، التي تناولت علم اجتماع الفنّ والأدب وتأثيره بالمجتمع وقدرته على التغيير.
فما علاقة اللغة بالمجتمع، وكيف يرتبط الأدب بالأعراف الاجتماعية والقضايا السياسية؟ وكيف يجيّش الفنّ المشاعر الجمعية تجاه الوطن؟ كل هذه التساؤلات ناقشها الأساتذة د. عبد النبي اصطيف ود. بلال العرابي ود. أمل دكاك في المركز الثقافي العربي -أبو رمانة- بإشراف د. راتب سكر.
وبدأ د. بلال عرابي أستاذ علم الاجتماع بالحديث عن أهمية اللغة، التي ترتبط بالظواهر الاجتماعية الأخرى وتعدّ سلطة أخلاقية، ومؤسسة اجتماعية، ولها بعد تاريخي، ليصل إلى أن علم اجتماع اللغة يدرس العلاقات بين اللغة والمجتمع، والعوامل الاجتماعية التي تؤثر في تطور اللغة، وكيف تتداخل الثقافات وتدخل الكلمات من لغة إلى أخرى، كما يدرس تحليل اللغة كظاهرة اجتماعية وثقافية، ويبدو تطور كلام الشخص وفق ثقافته ومكانته الاجتماعية.
وأشار إلى أن اللغة خلفها بنية اجتماعية تحدّد مقاصدها مثل تأثر اللغة بالعمل من خلال المؤسسة الإعلامية التي تعكس سياسة القناة وكيف تنقل الأخبار وتبدل الكلمات؟.
أما د. أمل دكاك فتحدثت عن علم اجتماع الأدب لكونه ظاهرة اجتماعية لا تقلّ أهمية عن الظواهر الأخرى، وكذلك ظهور علم اجتماع الفنّ وعلاقته بالمجتمع، ومن ثم تطرقت إلى مفهوم الأدب للإشارة إلى الآداب الجميلة وتشمل القصيدة والأسطورة والرواية والمسرحية والمقال والأغنية، ويتناول علم اجتماع الأدب دراسة الأدب في إطار الشؤون الاجتماعية وانتشارها وتلقيها، وللأدب دور فعال بالتغيّر الاجتماعي، إذ تقوم بعض الأنماط بتجييش المشاعر المجتمعية والسياسية كالخطابة والشعر في المجتمعات العربية، كما أنه يدرس البيئة الاجتماعية التي ينتج فيها الأدب وطبيعة القراء وماذا يفضلون؟، منوّهة بدور وسائل الإعلام في نقل الأدب، الذي يحمل قيماً اجتماعية وثقافية ووطنية تعزّز قيم الأخلاق لدى الجمهور المشاهد، مثل روايات نجيب محفوظ وإحسان عبد القدوس وطه حسين وغيرهم، التي نُقلت إلى السينما وعبّرت عن قيم المجتمع العربي عامة والمصري خاصة، وعالجت الكثير من المسائل الاجتماعية والإنسانية، أما علم اجتماع الفن فيتمتع بأهمية كبيرة في عصرنا الراهن مثل التجربة الرحبانية التي ربطت بين الفن والسياسة والمجتمع والوطن، وقدمت صوراً شعرية ترصد التحولات التي رافقت قضية فلسطين والوجدان الجمعي والانتماء، مثل أغنية “راجعون”:
في الأمطار راجعون
في الإعصار راجعون
أعمال كثيرة عبّرت عن التشرد واللجوء ومأساة الانتظار، وذاكرة المكان مثل شوارع القدس القديمة، ويافا وبيسان، كما ركز مسرح الرحابنة على الواقع السياسي مثل هالة والملك وغيرها.
ويرى د. عبد النبي اصطيف الأستاذ الجامعي والباحث والناقد والمترجم أن علم اجتماع الفن والأدب ضرب من المعرفة المنظمة يستند إلى الصلة الوثيقة ما بين المجتمع والفن والأدب، بدءاً من أدواته وما يحكمه من أعراف اجتماعية مروراً بمنتجه ودوره بخلق التشكيلات الاجتماعية، فأداة الأدب هي اللغة وهي أداة اجتماعية، ولا يمكن تصور وجود لغة من دون وجود مجتمع، وعلم اجتماع اللغة علم مهمّ جداً في العلاقات الاجتماعية وفي الأدوار الاجتماعية التي يؤديها كل فرد من أفراد المجتمع، والأديب أو الفنان عضو بالمجتمع، يتوجه بمنتجه إلى الآخر، والمجتمع يكافئ الأديب، فسابقاً كانت الرعاية من قبل الخليفة أو الحاكم، أما الآن فالقارئ أو المتلقي هو الذي يكفل العيش الكريم له، فيعيش الأديب من منتجه، وكثير من الكتّاب في بلاد أخرى يعيشون من كتابهم الأول مثل “كولن ويلسن” “اللامنتمي”، فخلال أسبوع واحد انتقل من غرفة إلى فندق بخمس نجوم، وأصبح ممثلاً للوجودية الجديدة.
وتابع عن عملية الإنتاج الأدبي وعملية الاستهلاك الأدبي المحكومتين بالأعراف الاجتماعية، فنتحدث عن قيمة جمالية في المرأة في الطبيعة في وجوه كثيرة من حياتنا، يحدّدها المجتمع، على سبيل المثال في زمن الأعشى كانت قيم الجمال:
غراء فرعاء مصقول عوارضها
تمشي الهوينا كما يمشي الوجي الوحل
وتعني الترف والغنى وقلة الحركة، بينما في القرن العشرين أصبحت الرشاقة هي القيمة الجمالية، والآن في عالم الأزياء يميلون إلى الامتلاء، فما الذي تغير؟، يجيب د. اصطيف: “المجتمع هو الذي غيّر القيم الجمالية، وكذلك الفن يتبع لترويج المجتمع”، مشيراً إلى أن الأدب يُنتج ضمن مؤسسات اجتماعية من خلال المدرسة والجامعة الاتحادات المهنية، والأديب لا يستطيع أن يخرج عن إطار المؤسسة ورسالتها، فالمؤسسة الاجتماعية تحكم الإنتاج الأدبي، وهذا شأن خطر يحدّ من الإبداع، كما تطرق إلى فكرة ضرورة الاهتمام بالرأسمال الفكري واستثماره.
ورأى د. راتب سكر أن قصيدة د. أيمن أبو شعر “قارع الطبل الزنجي” تندرج اندراجاً جوهرياً في مضمار ارتباط الأدب بالمجتمع وتصلح لتكون أنموذجاً في التعبير عن الأدب الاجتماعي بالبعد الاجتماعي للذين يملكون والذين لا يملكون، وبقضية التمييز العنصري بين الزنوج والبيض، وبالقضية الإنسانية التي تدعو إلى التآخي.
وقرأ د. أبو شعر القصيدة بإلقائه التعبيري باللغتين العربية والروسية، ووصفت الدقائق الأخيرة لقارع الطبل الزنجي الذي منعه الطبيب من العمل الموسيقي لإصابته بمرض القلب، وعلى الرغم من ذلك رفض صاحب المطعم طلبه العمل بتنظيف الصحون، فيموت، لتأتي المفاجأة المأساوية في قفلة القصيدة:
لن يفسد سهرتنا
وسنرقص نمرح كالعادة
غطوا الجثث كي نلهو
ما نفع الغم
فلنحضر قارع طبل آخر
ولنمسح قطرات الدم
وانتهت الندوة بمداخلات، منها ما قاله د. عاطف بطرس الأدب هو تمثيل وتجسيد لتطور المجتمع.