اقتصادصحيفة البعث

أفكار “حلب النملة”..؟!

بشير فرزان 

مفارقات عديدة تؤكد حالة التناقض المستوطنة في المشهد الاقتصادي المعيشي الذي بات مرهقاً للغالبية العظمى من السوريين، وهذا الكلام لا يندرج تحت عنوان التشاؤم، بل من أجل التذكير بأن استمرار المعجزة المعيشية لم يعد ممكناً، فكيف يُطلب منه مواجهة التحديات المعيشية بدخل لا يتجاوز 400 ألف ليرة؟ وكيف تتغاضى كلّ الجهات العامة والخاصة عن ارتفاع معدلات الغلاء في الأسواق، بينما تقوم برفع ضرائبها ورسوم خدماتها وأرباحها بحجة ارتفاع التكاليف؟ وهذا ما يؤكد تظرية أن المشهد الاقتصادي لم يتغيّر بعناوينه العريضة، ولم تفلح المئات من ورشات العمل والندوات واللقاءات والاجتماعات بتحييد السياسات الحكومية قيد أنملة، وهذا ما أيقى الواقع الاقتصادي المعيشي في حالة الاستهداف الدائم، وخاصة مع تركيز كلّ الموارد الحكومية على دخل البسطاء من الناس وتفريغ جيوبهم، فحالة الغلاء الدائمة والمتصاعدة التي تعيشها الأسواق وضعف الرقابة وفوضى التسعير (وانتشار الغش وتدني نوعية المنتجات)، وسطوة الاحتكار وعدم القدرة على رسم خارطة الدعم وإغراق السياسة النقدية في متوالية التصدير والاستيراد، والتخبط في تحديد الموارد وحصرها في الجانب الضريبي، دفعت بعجلة الواقع الاقتصادي والحياتي إلى واقع معيشي صعب، وما يزيد من المعاناة المعيشية أن تحريك أسعار المواد المدعومة كان يستوجب أن يترافق مع زيادة كتلة الرواتب والأجور لاستكمال ملف إعادة هيكلة الدعم، لكن لم يتمّ إنجاز ذلك فعلياً، فما حدث هو رفع أسعار المواد المدعومة مع بقاء الرواتب والأجور على وضعها.

ولا شكّ أن الواقع الحالي بكلّ تحدياته يفرض حالة من التكامل في العمل، وعدم التهاون في مسار المعالجات، وهنا نركز على حقيقة أن عملية النهوض بالواقع الإنتاجي لا يمكن أن تتمّ دون عمل جماعي مشترك بين العديد من الوزارات والمنظمات النقابية والفعاليات التجارية والصناعية، فلا يمكن الإقلاع بالإنتاج الزراعي دون مشاركة وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك وذراعها التسويقي المتمثل بالسورية للتجارة، ومشاركة وزارتي الاقتصاد والصناعة والغرف الزراعية والصناعية والتجارية وغيرها من الجهات التي تمثل حلقة إنتاجية واحدة تدور بين مكاتبها كافة العمليات الاقتصادية والمعيشية.

بالمحصلة النهائية نجد أننا ما زلنا بعيدين كلّ البعد عن هذا المسار الإنتاجي، وما يزيد من القلق أن مختلف الجهات ترمي بأثقالها وأعبائها على الجهات الأخرى، وطبعاً اجتماعات تفعيل التواصل تبقى حبيسة المراسلات الورقية التي لا يتمخض عنها سوى المزيد من التحديات، وانعكاسات ذلك كله يتلقاها المواطن من خلال المعاناة الشديدة، وفي مقدمتها تسارع الغلاء وقلة مصادر الدخل مع انخفاض متزايد في قيمة الدخل الشرائية، فهل تتجه الحكومة لوضع منهج في إدارة ملف زيادة الرواتب والأجور، بما يلبي الحدّ الأدنى من الاحتياجات المعيشية، أم إنها ستبقى أسيرة الانتظار؟!