العلاقة بين اللغة والمجتمع
أمينة عباس
يؤكد عضو مجمع اللغة العربية أ. د. أحمد قدور في المحاضرة التي ألقاها في المجمّع، مؤخراً، تحت عنوان “في علم اللغة الاجتماعي” أن “اللغة هي أكثر وأعمق من كونها مجموعةً من المفردات والقواعد النحوية الضابطة والمنظمة وقوانين الصرف والموازين التي يُرجع إليها في وزن النتاج اللغوي من شعر ونثر، وأن اللغة في جوهرها وسيلة تواصل تربط بين أفراد المجتمع الواحد أو أفراد مجتمعات عدة تجمعهم أهدافٌ وغاياتٌ تحتّم عليهم الاتصال والتواصل اللغوي، وعليه فإن اللغةَ محكومةٌ بالسياق الاجتماعي الذي يحكم هؤلاء الأفراد”.
ويعرّف د. قدور في بداية محاضرته علم اللغة الاجتماعي قائلاً: “هو العلم الذي يدرس اللغة في علاقتها بالمجتمع وطرائق استعمالها التي ترتبط بوظائفها الاجتماعية المختلفة، ويُعدّ فرعاً من اللسانيات التطبيقية، وأصل المصطلح فرنسي ظهر منذ مطلع القرن، لكنه لم يحصل على معناه الحالي إلا في سنة ١٩٦٤ حين عُقد المؤتمر الأول لعلم اللغة الاجتماعي في لوس أنجلوس، وهناك علم قريب من هذا العلم هو علم الاجتماع اللغوي، مع فارق بينهما في التوظيف، فعلم اللغة الاجتماعي يدرس اللغة في ضوء المجتمع، على حين يدرس علم الاجتماع اللغوي المجتمع في ضوء اللغة، ومن الباحثين من يرى أن علم الاجتماع اللغوي أوسع من علم اللغة الاجتماعي، وبينهما علاقة بين الواسع والشامل من جهة، والضيق والمختصر من جهة أخرى، ولهذا العلم اتصال بعلم اللغة الأنثروبولوجي وعلم اللغة الإثنولوجي، مع استقلال هذه العلوم ووضوح مسائلها، كذلك الشأن بعلم اللغة الاجتماعي الذي له صلة بعلم الدلالة والتداولية من جهة (المقام) واستعمال اللغة وتحليل الخطاب”.
وعن وظائف اللغة الاجتماعية يتحدث قدور: “تدرس هذه الوظائف الرئيسة التواصل الاجتماعي والتعبير عن الفكر ونقل الخبرات، كما تدرس الوظائف الفرعية بالنظر إلى المجال والبيئة والشكل اللغوي، من ذلك الوظيفة الرسمية والإقليمية والدولية ووظيفة التفاهم عبر الحدود، وفي التعليم والدين والأدب، وينظر في أشكال اللغة كاالفصيحة والمحكية والشعبية العامية والهجينة واللهجات المهنية والإقليمية والاجتماعية المختلفة، واستعمال كلّ منها في وظيفة معيّنة، كما تدرس اللغة الاجتماعية جملة من الخصائص المؤثرة في اللغة كالحالة التعليمية والفكرية والدينية والأسرية والقبلية وحالة التمدن والإقليم “صحراء، ساحل، سهل، جزيرة” ونشاط السكان وعاداتهم وانعكاس ذلك في خصائص اللغة وتطورها وأثر التغيّرات الاجتماعية”.
ويرى قدور أن الازدواجية اللغوية هي حالة قد تكون ثابتة وتظهر في المجتمع عن طريق “اتخاذ شكلين لغويين في سياقات مختلفة كاستعمال الفصحى في مجالات رسمية وجدية وثقافية ودينية، على حين يستعمل شكل آخر “العاميات” في مجالات الحياة والسوق والأسرة والتواصل العام والأدب الشعبي والمسرح الهزلي”.
وتظهر اللهجات الاجتماعية بفعل الاختلاف في المستويات المادية والثقافية والمهنية والمعيشية، يقول قدور: “الفروق كبيرة بين لهجة وأخرى، وقد تتقارب بفعل الاختلاط والمساكنة والتواصل في العمل كالدراسة والجندية والعمل الحكومي والمؤسسي، أما اللهجات الخاصة فهي نوع من اللهجات الاجتماعية، وقد تتخذ وضعاً خاصاً كاللهجات الحرفية ولهجات الشباب في وسائل التواصل الاجتماعي، وفي بعض الحالات الخاصة كلغة اللصوص المحترفين والعصابات المنظمة، كما يدرس علم اللغة الاجتماعي أثر الجنس في اختلاف اللهجة كلغة النساء وأثر العمر كلغة الأطفال، مع الإشارة إلى أن قضايا اللغة والدين والقومية والسياسة والهوية تتجلى فيها اللغة عنصراً من عناصر الحياة الاجتماعية ومجالاتها المختلفة، علماً أن التخطيط والسياسة اللغوية دخلت مجال هذا العلم، وهو مبحث دقيق له اتصال بعناصر مختلفة من أصحاب القرار، أما السياسة اللغوية فجزء متمم للتخطيط اللغوي ومبنيّ عليه وله شأن في الكثير من الدول”.