مع تراجع تربية دودة القز.. صناعة الحرير مهددة بالاندثار في طرطوس
طرطوس – دارين حسن
فقد مربو تربية دودة القز أهم مهنة موروثة عن آبائهم وأجدادهم، إذ خسرت محافظة طرطوس أعرق صناعة كانت تعتز وتفخر بها، بعد أن اندثرت صناعة الحرير وتراجعت التربية، فبعد أن كان عدد المربين بالمئات بات بالعشرات، علماً أن هناك مربين ومركزاً لتربية دودة القز في حاموش رسلان بريف منطقة الدريكيش ووجود شركة الحرير الطبيعي “المتعطلة” منذ عام ٢٠٠٩ في الدريكيش.
رئيسُ دائرة الوقاية في مديرية زراعة طرطوس المهندس وائل حسين، عزا أسباب تراجع تربية دودة القز في المحافظة إلى انخفاض مبيع الشرانق وخيوط الحرير المنتجة ومنافسة الحرير الصناعي، مبيناً أن عدد المربين لهذا العام على مستوى المحافظة يبلغ عشرة مربين للسلالة المحلية و١٨ مربياً للسلالة المستوردة، وتتركز التربية في بعض قرى الدريكيش والشيخ بدر.
و أشار حسين إلى أبرز الصعوبات التي تواجه عملية التربية، ومنها عدم وجود جهة رسمية تُعنى بتصريف المنتج عند المربين من شرانق وخيوط حرير من خلال إيجاد أسواق تصريف داخلية وخارجية وبأسعار مناسبة، وعدم وجود آلة حل شرانق جديثة في مركز حاموش رسلان لتربية دودة الحرير، وعدم قدرة المربين على تصريف وبيع إنتاجهم بأسعار جيدة تشجعهم على متابعة عملية التربية، إضافة إلى صعوبة تأمين مستلزمات التربية الحديثة من صوانٍ وحوامل ومعقمات وأدوات تحكم بالحرارة والرطوبة المناسبين لكل مرحلة عمرية، ما أدى إلى اعتماد أساليب قديمة في التربية.
وحول الدور الذي تقوم به مديرية الزراعة تجاه المربين، أوضح رئيس الدائرة أن المديرية تقوم بتوزيع غراس توت هندي وياباني للراغبين بالتربية، واستيراد سلالة محسّنة هندية هذا العام وتوزيعها على المربين بسعر تشجيعي ٣٥٠ ألف ليرة فقط للعلبة الواحدة من البيوض، وتقديم الإرشادات اللازمة للمربين ومتابعتهم، إضافة إلى تفقيس البيوض وتقديمها للمربي في نهاية العمر الثاني للديدان في مركز التربية.
واقترح المهندس حسين الاستمرار باستيراد بيوض حرير محسّنة، على أن يتمّ تأمينها بالوقت المناسب خلال شهري آذار ونيسان، والبحث عن سوق تصريف للمنتجات، داخلية وخارجية، وأسعار مناسبة للمربين تقارب أسعار الحرير في بقية الدول الأخرى، وتشجيع تربية جماعية حديثة ضمن قرى تنموية متخصّصة بإنتاج الحرير، وتسهيل منح القروض المالية للمربين الراغبين بتأمين مستلزمات التربية، كذلك إقامة معارض ودورات وندوات وحملات إعلامية توعوية في مناطق التربية تبيّن فيها أهمية إنتاج الحرير اقتصادياً، وإدراج القرى التي تتمّ التربية فيها كقرى تنموية وتشجيع المربين في القرى التنموية الحالية، وتشجيعهم من خلال الدعم المادي للإنتاج وزيادة قيمته، إضافة إلى تأمين آلة حل شرانق في مركز تربية حاموش رسلان نظراً لقربه من مواقع التربية لمساعدة المربين على حلّ خيوط الحرير المنتجة.
بدوره، تحدث رئيس مجلس اتحاد حرفيي طرطوس منذر رمضان عن تاريخ وعراقة المهنة، قائلاً: من مدننا وشواطئنا العريقة انطلق طريق الحرير بتصدير ما ينتج من الخيوط المذهبة الحريرية، حيث ازدهرت هذه الصناعة عام ١٨٥٠ عندما تأسّست عدة معامل لفك ومعالجة هذه الخيوط، وكان أكبر المعامل المنتجة في مشتى الحلو، وقد ضمّ ما يقارب ثلاثمئة عاملة وعامل من القرى المجاورة، إذ كانت الأسر تعتمد على تربية دودة القز وتبيع منتجها له، وقدّر إنتاجه آنذاك بما يقارب أربعة أطنان من الخيوط، منها ما يتمّ تحويله إلى ملابس ومنها تبقى خيوطاً يتمّ تصديرها إلى كافة بقاع الأرض، واستمرت هذه الصناعة بالازدهار حتى سنوات خلت، مشيراً إلى عزوف غالبية أبناء الأرياف عن التربية لدودة القز واستبدلوا أشجار التوت البري الذي يعتبر الطعام الأساسي لليرقات بأشجار منتجة يستعيضون بها ما خسروه، وقد تمّت المحاولة من الجهات الرسمية بإعادة الدعم بأشكال مختلفة إلا أن كافة هذه المحاولات لم تحقق المبتغى لأنها لم تعمل على وضع خارطة طريق مكتملة العناصر.
ولم يخفِ رمضان أن هذه الصناعة التاريخية المرتبطة بإرثنا وتراثنا وتاريخنا أصبحت مهدّدة بالاندثار، مطالباً بإعادة إحداث معمل للحرير إن كان لجهات خاصة أو عامة أو بالتشاركية بين الطرفين.
وللوقوف على واقع شركة الحرير الطبيعي “المتعطلة” منذ عام ٢٠٠٩ في منطقة الدريكيش، وحالة آلاتها وموظفيها، لم نتوصل إلى إجابة، علماً أن “البعث” تواصلت مع مدير الشركة “تكليفاً” نجم الدين حسن، فأخبرنا أن تكليفه انتهى وعاد إلى عمله في شركة غزل جبلة ولا يوجد مدير حالياً للشركة، رافضاً الإفصاح عن أية معلومات.