قراءة في كتاب “الحرب” للصحفي بوب ودورد.. سردية أمريكية على الطريقة الهوليودية
سنان حسن
أصدر الصحفي الأمريكي الاستقصائي بوب وودورد كتابه “الحرب”، يروي فيه تفاصيل كواليس اللقاءات والاجتماعات لمسؤولين أمريكيين وصهاينة وعرب منذ بداية رئاسة الديمقراطيين للبيت الأبيض وما رافقها من أحداث كبيرة حول العالم، مبيناً أنه استطاع الحصول على هذه المعلومات لكتابه من مئات الساعات التي التقى فيها المشاركين والشهود في هذه المعلومات، موضحاً أن جميع من إلتقاهم سمحوا له بتسجيل المقابلات، مؤكداً أنه لن يذكر هذه المصادر.
حرص الكاتب الأمريكي على سرد مواد ولقاءات لثلاثة أحداث محورية خلال السنوات الأربعة من ولاية الرئيس الأمريكي جون بايدن، والبداية من اقتحام مبنى الكابيتول على يد أنصار الرئيس الجمهوري الخاسر في الانتخابات دونالد ترامب، مروراً بالعلاقة مع روسيا والحرب في أوكرانيا، وليس انتهاءً عند معركة طوفان الأقصى والدور الأمريكي في الدفاع عن “إسرائيل”.
لنبدأ من المحور الأخير في كتاب بوب وودورد، والذي تحدث فيه بإسهاب عن أدق التفاصيل التي قامت بها الولايات المتحدة الأمريكية في الدفاع عن كيان الاحتلال الإسرائيلي إبان معركة طوفان الأقصى، منذ اللحظة الأولى والاستنفار الكبير في الإدارة الأمريكية على كافة المستويات من الرئيس بايدن نفسه ومكتب أمنه القومي والخارجية والبنتاغون، وكل المستشارين الذين وضعتهم إدارة بايدن في خدمة حكومة الاحتلال وجيشه، لتجاوز الفشل الاستخباراتي الكبير في السابع من تشرين الأول 2023.
لقد كشف الكاتب الأمريكي خلال عرضه للمراسلات والمحادثات بين المسؤولين الأمريكيين، ورئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو ولاسيما في الأيام الأولى من معركة الطوفان، الهلع الذي كان ينتاب نتنياهو من هجوم المقاومة اللبنانية، والطلب من مستشار الأمن القومي جايك سوليفان لمنع هذا الهجوم بأي وسيلة. كما ركز الكاتب على الفشل الاستخباراتي الذي أعقب عملية الطوفان بسرد الواقعة التي حدثت على الحدود اللبنانية، حيث أعطى نتنياهو الأوامر لجيش الاحتلال الإسرائيلي لشن هجمات استباقية على لبنان بعد الاشتباه بدخول مظليين من المقاومة اللبنانية إلى مستوطنات الشمال، ولكن بعد التدقيق الأمريكي تبين أنها سرب من البجع، ويتراجع نتنياهو عن قراره.
وبين وودرود في كتابه الدور الذي لعبته القوات الأمريكية في إسناد ودعم جيش الاحتلال، بدءاً من المعلومات الاستخباراتية حيث تم وضع كل وكالات الأمن القومي الأمريكي لدعم “إسرائيل”، مروراً بتأمين الذخيرة، حيث تم وضع كل المخازن الاحتياطية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط تحت تصرف جيش الاحتلال، وصولاً إلى عملية الوعد الصادق التي قامت بها الجمهورية الإسلامية في إيران رداً على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران، حيث تحملت واشنطن العبء الأكبر في التخفيف من آثارها على كيان الاحتلال من خلال نشر منظومات الدفاع الجوي للتصدي للمسيرات والصواريخ الإيرانية.
ويختم الكاتب وودرود أن واشنطن فعلت كل ما بوسعها للحفاظ على “إسرائيل” عسكرياً وسياسياً دون أن تشارك مباشرة في كل هذه العمليات، كما يزعم.
وفي الجزء الأول من الكتاب، المتعلق بالعلاقة مع روسيا والحرب الروسية الأوكرانية، سعى الكاتب إلى تعزيز السردية الأمريكية فيما يتعلق بنظرة أمريكا خاصةً، والغرب عموماً، حول القادة الروس وطريقة التعامل معهم، كما تفعل هوليود في أفلامها في تصويرهم، ومنها التحضير للقاء الأول بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس بايدن، وكيف قام الأخير بالإعداد للقاء على الرغم من المعرفة الطويلة بالرئيس بوتين، من خلال استدعاء مستشارين تركوا البيت الأبيض، ومنهم من كان يعمل مع خصمه الأول ترامب، وعقد اجتماعات مطولة وجمع معلومات وصولاً إلى لحظة الاتفاق على اللقاء، مروراً بعقده والاجتماع الذي حصل في سويسرا وانتهاءً بالتصريحات.
كما عرض الكاتب للرواية الأمريكية فيما يتعلق بالحرب الأوكرانية، والتعامل الأمريكي فيها مع المسؤولين الروس ومحاولة تقديم أنفسهم على أنهم دعاة سلام وأمن واستقرار، وأن الروس هم جاؤوا لتدمير العالم بحبهم للعسكرة ورفض الديمقراطية التي وصلت إلى حدودهم. ومن أبرز ما عرضه الكاتب هي الاجتماعات المكوكية بين الرئيس بايدن ومستشار الأمن القومي جايك سوليفان ومدير وكالة الاستخبارات المركزية وليام بيرنز، والمكالمة بين بايدن وبوتين، وما أطلقه من تهديدات بفرض عقوبات غير مسبوقة على روسيا.
وفي الجزء الثاني من الكتاب، والذي يتحدث عن الصراع بين الجمهوريين والديمقراطيين، ولاسيما في أعقاب خسارة ترامب في الانتخابات الرئاسية أمام بايدن، والتي بالمناسبة جاء إصدار الكتاب كجزء من الحملة ضد ترامب ومؤيديه، حيث حاول الكاتب ترسيخ أن الرئيس بايدن هو رجل دولة قادر على التعامل مع الأحداث العالمية بصبر وحكمة وهدوء، على عكس الرئيس ترامب الذي سبب المشاكل لأمريكا، ودفع أقرب حلفائها إلى الهروب من التعامل معها.
كما ركز الكاتب على المداولات التي جرت بين ترامب ومسؤولين جمهوريين كبار، ومحاولة نقل أن ترامب كان خائفاً من المحاكمة والملاحقة القضائية، ولكن لا يفصح عن ذلك، والأهم أن الكاتب حاول تثبيت ادعاءات الديمقراطيين بأن ترامب كان مخترقاً من قبل الروس، وأنه كان متساهلاً جداً في التعامل معهم، وبالتحديد الرئيس بوتين، سواء من خلال إرسال أجهزة خاصة بالكشف عن كورونا لبوتين، أو التركيز على ما جرى في اللقاء الذي جرى بين الرئيسين في هيلسينكي، وعدم وجود أحد معهم في اللقاء سوى المترجمين، وبعدها إتلاف القصاصات الورقية للمستشارين، وأخيراً محاولات ترامب تأمين اتصال آمن مع بوتين بعد خسارة الانتخابات.
عموماً، حاول الكاتب تعزيز الرواية الأمريكية خصوصاً حول مجمل الأحداث في العالم، ونشر الكتاب في هذا التوقيت هو لخدمة هذه الأجندات ودعمهم في استحقاق الانتخابات الرئاسية.