من يدفع أكثر!
حسن النابلسي
في وقت لم يعد يخفى على أحد من المتابعين للشأن الاقتصادي، ولاسيما منه محدودية الموارد الحكومية وانعكاس ذلك على دعم الإنتاج الزراعي تحديداً، وهو مقصد حديثنا في هذه العجالة، فإننا نجدد ما سبق وأثرناه من ضرورة توجيه بوصلة دعم مستلزمات الإنتاج الزراعي إلى دعم المنتج الزراعي، إذ نعتقد أن هذا الأمر كفيل إلى حدٍ كبير بسد ثغرات الهدر والفساد المرافقة للعملية الإنتاجية من جهة، وربما زيادة الإنتاج وضمان تسويقه بالشكل الأمثل من جهة أخرى.
لعلّ ما ينتاب القطاع الزراعي من تشوهات هنا، وتعقيدات هناك، ومن حيازات صغيرة حيناً، وغير موثقة رسمياً حيناً آخر باسم المالك الحالي نتيجة الخلافات بين الورثة، وغير ذلك من مشكلات – لا نريد الغوص بتفاصيلها – وانعكاس ذلك بالمحصلة إلى عدم حصول الفلاح على ما يستحقه من دعم، يؤكد بشكل أو بآخر صحة ما نرمي إليه من دعم المنتج النهائي، بحيث يتم تسويقه من قبل الحكومة – وخاصة القمح – بضعف ما هو عليه حالياً.
بمعنى أوضح: نعتقد أن رفع الدعم بشكل نهائي عن من مستلزمات الإنتاج الزراعي وتأمينها للفلاح بسعر التكلفة، أو حتى بهامش ربح بسيط – لكن بشرط توفرها – خير من تأمينها بسعر مدعوم يتصارع عليه الجميع، ويحظى به القليل، وتكون النتيجة تدنى حجم تسويق هذا المنتج الإستراتيجي للحكومة، والبحث عن من يدفع أكثر!
هنا تكون الخسارة مضاعفة خسارة الدعم الحكومي وذهابها إلى جيوب التجار، وخسارة المحصول الأهم غذائياً بسبب المتاجرة به وربما تهريبه!
لذلك نكاد نجزم أن توجيه الكتلة المالية المخصصة لدعم الأسمدة والمازوت الزراعي وغيرها من مستلزمات الإنتاج، من الأخيرة إلى المنتج النهائي هي الخيار الأمثل، لأن الحكومة ستكون هي من يدفع أكثر!
ولمن يعتقد أنه سيتمخض عن هذا التوجه مشكلات تتعلق بصعوبة تأمين التمويل اللازم لمستلزمات الإنتاج، نبيّن أن أغلب الفلاحين يتمولون إما من المصرف الزراعي، أو يستعينون بما لديهم من مدخرات يحتفظون به نهاية كل موسم لتمويل الموسم القادم، وبالتالي يبدو أن الأمر لا ضير فيه، وما على الحكومة إلى التطبيق واجتهادها بتأمين مستلزمات الإنتاج!