ثقافةصحيفة البعث

ملاطيه لي: ضرورة إعادة تأهيل البنى في مدرسة الباليه.. والنوادي الخاصة تعمل من دون رقابة

أمينة عباس

قليلة هي الدول العربية التي تهتمّ برقص الباليه، وتُعدّ سورية من هذه الدول التي تقوم بتدريس هذا الفن بشكل أكاديمي، وقد شكّل إحداث مدرسة الباليه بشكل رسمي عام 1992 خطوة مهمة تُسجّل لوزارة الثقافة، لتكون منعطفاً جديداً في مسيرة هذا الفن في بلدنا، يقول أ. معتز ملاطيه لي الذي استلم إدارة هذه المدرسة على مدى سنوات والمدير الفني للمدرسة حالياً، والذي يُعد أول راقص أكاديمي في سورية: “رقص الباليه مقارنةً مع الدول العريقة في هذا المجال فنّ جديد في سورية، وقد مرَّ تدريسه بمراحل عديدة، والبداية كانت متواضعة عبر دورات تدريبية كان يقيمها المعهد العالي للفنون المسرحية بتسميات مختلفة: مدرسة الأداء الحركي، مدرسة الباليه، دورات الباليه التأهيلية، وتناوبت جهات عدة على الإشراف عليها، وبُذلت جهود كبيرة من قبل وزارة الثقافة لإنجاح هذه التجربة الرائدة في سورية والتي كان يشرف عليها خبراء روس بحكم وجودهم في سورية في تلك الفترة”.
بقي فن الباليه يُدرَّس تحت اسم دورات الباليه التأهيلية في مقرّ المعهد العالي للفنون المسرحية وتحت إشرافه حتى عام 2012، حيث أصدرت وزارة الثقافة قراراً بإحداث مدرسة الباليه بدمشق، وخُصّص لها مقرّ جديد ضمن مجمّع دمّر الثقافي وهو مجُهز بقاعتَي تدريب وقاعة للصولفيج، مع كل مستلزمات التدريس، وما يزال الوضع على ما هو عليه حتى الآن، وهي تتبع اليوم لمديرية التأهيل الفني في وزارة الثقافة، ويبين ملاطيه لي: “تتالى على إدارة هذه المدرسة مدراء عدة، ويُسجل للدكتورة هبة البيروتي أنها كانت أول مديرة لها ويعود الفضل إليها بمساهمتها الجدية في أن تقف على قدميها كمدرسة أكاديمية، كما لا بدّ أن أذكر أيضاً أ. نغم معلا وجهودها الكبيرة التي بذلتها لتبقى أبواب المدرسة مفتوحة في أحلك الظروف بحيث كانت في إحدى السنوات هي المديرة والمدرّسة الوحيدة في المدرسة لجميع الصفوف”.

وعن شروط قبول الطالب في المدرسة يحدّثنا معتز ملاطيه لي: “أن يتراوح العمر ما بين 7 إلى 10 سنوات، ويبداً التسجيل عادةً في شهر أيلول ومن ثم يخضع من لديه رغبة في الانتساب للمدرسة قبل القبول لاختبار يتمّ فيه الأخذ بالحسبان الجسم المتناسق والسليم واللياقة الجسدية والإحساس الموسيقي الصحيح، وهو أمر ضروري لأن من ليس لديه إحساس وأذن موسيقية لا يمكنه الرقص بشكل صحيح، وأصبح هناك في السنوات الأخيرة حرص على إقامة دورات تدريبية للراغبين بالانتساب ليكونوا جاهزين للاختبار”.
ولكن هل الاختبار دائماً مؤشر حقيقي لاختيار الأنسب من الطلاب؟ يجيب ملاطيه لي: “كمرحلة أولى يبدو الاختبار كافياً لاختيار الأنسب من الراغبين في الانتساب إلى المدرسة، ومع ذلك هناك أمور لا يمكن إدراكها إلا بعد الدراسة في المدرسة، لذلك وجِدت السنة التحضيرية لأن الطفل قد تتوافر فيه كل الشروط من خلال تمتعه بجسم سليم وإحساس موسيقي، لكن لنعترف أن هناك أموراً كثيرة لا يمكن إدراكها خلال الاختبار ولا تتكشف إلا بعد أن يخضع الطالب المقبول للدروس في السنة التحضيرية التي تبيّن مدى استعداده للتدريب وإمكانية تطوره عبر الدراسة، وهنا لا بدّ أن أشير إلى أن الأمور متفاوتة بين طفل وآخر تبعاً للموهبة التي إن وُجِدَت تتجلى عبر الدروس، كذلك تبعاً للاجتهاد والتدريب، فهناك أطفال يتمتعون بموهبة محدودة، لكن بالاجتهاد والتدريب المستمر يرتقي بموهبته إلى مستويات أفضل”.
وعن آلية الدراسة في المدرسة يحدثنا الفنان ملاطيه لي: “تبدأ الدراسة في المدرسة مع العام الدراسي في المدارس وتكون عادة بعد انتهاء الطلاب من دوامهم في مدارسهم، ومدة الدراسة فيها 7 سنوات، تسبقها سنة تحضيرية، وهي تضم مرحلتين: من التحضيري حتى السنة الرابعة، ومن الخامسة حتى السابعة كمرحلة أساسية تنتهي بتخرج الطالب منها، ويُطبّق في المدرسة المنهج الروسي في تعليم الباليه، خاصةً وأن الخبراء الروس هم الذين كانوا يدرّسون في المدرسة في بداياتها، ومع الحرب على سورية سافر هؤلاء وأصبحت المدرسة تعتمد على الخبرات المحلية من خرّيجي قسم الرقص في المعهد العالي للفنون المسرحية”.
ويؤكد معتز ملاطيه لي أن “أهمية وجود هذه المدرسة ليس في تعليم رقص الباليه للطالب فحسب وإن كانت هي المهمة الأساسية لها، وإنما بتعليم الطالب الاهتمام بنفسه وبجسده وبحركته ليكون إنساناً مميزاً، لذلك نجد أن بعض الأهالي يميلون إلى وجود أطفالهم في هذه المدرسة من أجل أن تتطور هذه المهارات لديهم، إلى جانب أن رقص الباليه في المدرسة يكون أحياناً لعلاج بعض الأمراض كتقوّس الظهر والجنف، وهذا يجعل الأطباء ينصحون به لأسباب عضوية وأخرى نفسية “فقدان الثقة، الخجل، عدم الإحساس بالذات”، حيث تتعزّز ثقة الطالب بنفسه من خلال المديح والتشجيع الذي يتلقاه في المدرسة، الأمر الذي ينعكس على ثقته واعتزازه بنفسه، وهذا ما نلمسه من خلال حديث الأهالي الذين يتفاجأون بالنتائج التي يحصل عليها الطالب على صعيد الثقة بالنفس من خلال وجوده في المدرسة”.
مرّت المدرسة بمراحل عديدة كان القاسم المشترك فيها قلّة الأساتذة والأجور المتواضعة التي يتقاضونها والتي لا تكاد تكفي أجور مواصلات، ويضيف ملاطيه لي قائلاً: “مشكلة المدرسة اليوم ليست قلّة الأساتذة، حيث نجح قسم الرقص في المعهد العالي للفنون المسرحية من خلال طلابه وهم يتمتّعون بإمكانيات كبيرة في حلّ هذه المشكلة، إنما في ضرورة إعادة تأهيل البنية التحتية لها والتي تعاني مشكلات عديدة من الضروري معالجتها ليستمر الطلاب في الدراسة ضمن أجواء صحيحة وسليمة”.
هل كانت المدرسة رافداً حقيقياً لقسم الرقص في المعهد العالي للفنون المسرحية؟ لا يتردّد معتز ملاطيه في القول: “ليس بالكمّ المطلوب والمرجوّ، فالنتائج ليست ثابتة وهي تتراوح بين سنة وأخرى، فأحياناً يكون عدد الطلاب القادمين من المدرسة كبيراً وأحياناً يكون قليلاً جداً، والسبب برأيي هو أن عدداً كبيراً من طلاب المدرسة لا يدرسون فيها الرقص بنيّة الاحتراف فيما بعد، وغالباً ما يكون وجودهم في المدرسة كنشاط فني، وأنا لستُ ضد ذلك لأن دراسة أي فرع فني للطفل هو أمر ضروري حتى ولو لم يكن الهدف الوصول إلى الاحتراف، فمجرد دراسة الطفل لأي فن من الفنون “رقص باليه، موسيقا، رسم” يساهم في تطوير ذائقته وينعكس على ذوقه وعقليته وسلوكياته في الحياة، ومن المؤكد أن وجود الطفل في مدرسة الباليه يساهم في تشذيب سلوكه والتزامه بالعديد من القوانين بطريقة محبّبة بعيداً عن الصرامة، وهذا أمر مهمّ، وتالياً لا يتابع الدراسة في المعهد إلا أصحاب المواهب الحقيقية الموجودون ضمن محيط يشجع على ذلك، لأن المجتمع ما يزال يستهجن رقص الباليه، وخاصةً بالنسبة إلى الذكور، لذلك نجد أن أعدادهم سواء في المدرسة أم في المعهد قليلة جداً”.
ما زالت مدرسة الباليه الجهة الرسمية الوحيدة التي تدرّس هذا الفن، وقد انتشرت في السنوات الأخيرة نوادٍ خاصة كثيرة من ضمن برنامجها تعليم رقص الباليه، وعنها يقول ملاطيه لي: “غالباً ما يكون رقص الباليه فيها مجرّد نشاط للطفل في فترة الصيف، بالإضافةً إلى أن معظم هذه الدورات يشرف عليها أشخاص غير متخصصين أو مؤهلين تأهيلاً كاملاً لتعليم الطفل وتأهيله بشكل صحيح، والمفارقة اليوم أن طلّاباً فُصِلوا من قسم الرقص في المعهد لعدم الكفاءة هم اليوم مسؤولون عن نوادٍ وأساتذة فيها، ومن المؤسف أن هذه النوادي تعمل من دون رقابة، وخطورة وجودها أن القائمين عليها غير مؤهلين، وتالياً تكثر الإصابات عند الطلاب (تمزّق، جنف، كسر بالعظم)، لأن التعليم فيها خاطئ، وبالمقابل هناك تجربة خاصة مميزة على هذا الصعيد هي تجربة “فرقة أورنينا” التي حصلت على ترخيص وجود مدرسة تعلّم رقص الباليه، وهي بذلك أول مؤسّسة خاصة مرخّصة من قبل وزارة الثقافة، وتعتمد على منهاج شديد الأهمية، ويحصل فيها الطالب بعد التخرّج على شهادة مُعتَرَف فيها”.

ويختتم أ. معتز ملاطيه لي حواره معنا قائلاً: “ليس لدينا راقص باليه بمعنى الكلمة، فهذا التصنيف غير موجود وإنما لدينا قسم الرقص في المعهد العالي للفنون المسرحية يتخرّج منه الطالب كراقص يجيد أنواعاً مختلفة من الرقص، ومنها الباليه، وهنا أذكر أن هناك مرسوماً جمهورياً صدر منذ سنوات طويلة بإنشاء فرقة باليه وطنية، لكن هذا لم يتحقق”.