اقتصادصحيفة البعث

وزارتا الصناعة والزراعة على محك الإنتاج من أجل التصدير.. وقطاع الأعمال أمام إثبات جديته بالتعاطي مع الشركاء

 حسن النابلسي

نشدُّ بداية على أيدي الحكومة بالضغط تجاه تفعيل التصدير وتوسيع دائرته ضمن منظومة الاقتصاد الوطني، ونبيّن أن الحكومة وإن كانت تتحمّل جانباً مهماً من هذا المكوّن الاقتصادي المهمّ، إلا أن قطاع الأعمال هو الأساس بتفعيله، وثمة كيانات معنية به بشكل كبير كاتحادات غرف التجارة والصناعة والزراعة، التي من المفترض التنسيق الكامل فيما بينها لتفعيل عجلة الإنتاج الكفيلة بتأمين حاجة السوق المحلية والحدّ من الاستيراد، وخاصة للسلع ذات النظير المحلي أولاً، والعمل باتجاه إنتاج من أجل التصدير ثانياً.

صغيرة ولكن!

نشير في هذا السياق إلى وجوب تغيير ثقافة التصدير المتمحورة حول “تصدير الفائض” واستبدالها بإستراتيجية محدّدة للعملية التصديرية عنوانها العريض “تصدير ما ننتج، وصولاً للإنتاج من أجل التصدير”.

لعلّ أولى خطوات تطبيق هذه الإستراتيجية تتمثّل بالتركيز على الصناعات التي يمكننا المنافسة بها، وإن كانت بنظر البعض -وربما الكثيرين- تندرج تحت مسمّى “الصغيرة” من جهة، والتشكيك بمردودها مثل صابون الغار، وقمر الدين، والحلويات الدمشقية وغيرها من جهة ثانية، إلا أنها في حقيقة الأمر قد تكون واعدة في حال تمّ إعطاء الزخم المطلوب كونها مطلوبة في أسواق كثير من الدول ونستطيع المنافسة بها أكثر من المنافسة بصناعة البرادات، لأن الأولى موجودة في بلدنا، وهناك خبرة طويلة في هذه الصناعة غير الموجودة في كل دول العالم، وبالتالي يمكننا المنافسة بها أكثر من أية صناعة منتشرة في دول العالم.

نعتقد أن حيثيات المرحلة وتحدياتها تقتضي بالضرورة عدم الخروج من إطار جلدنا والتفكير بالمنافسة بصناعات غير قادرين -ولو على مدى عشر سنوات- المنافسة بها، ولاسيما تلك التي تحتاج تكنولوجيا متقدمة وخبرة ومعرفة طويلتين، في حين أنه يمكننا أن نطور صناعاتنا التحويلية التي تعتمد على إنتاجنا الزراعي ونزيد تنافسيتها عبر تقوية جميع عناصر الإنتاج المتوفرة لدينا من مواد أولية وخبرة عملية وأيدٍ عاملة ورأس مال.. إلخ، لا أن نبحث عن صناعة وننافس بها دولاً قطعت شوطاً كبيراً في هذا المجال على مدى عشرات السنين.

رسالة للصناعة..

ما سبق يستوجب من وزارة الصناعة وضع مصفوفة دعم لهذه الصناعات، من خلال العمل على سياسات تنموية قطاعية موزعة جغرافياً على مستوى المحافظات، والطلب من مديرياتها في المحافظات تحديد ما تتميّز به كل محافظة من صناعة وزراعة، ليصار وبناءً على ذلك تقديم الدعم الفني اللازم والبنية التحتية المطلوبة، فصناعة منتجات الكمون على سبيل المثال قد تتطلّب وجود مركز فني تخصصي استشاري مع مخبر معتمد حتى نستطيع أن نغزو دول العالم بها، وهذا يتطلب من الوزارة تقديم كامل الدعم المطلوب لذلك.. فبذلك نستطيع تشكيل الرافعة الحقيقة  لصادراتنا.

… وأخرى للزراعة

كما لابدّ أيضاً -وضمن سياق الإستراتيجية آنفة الذكر- من التركيز على المنتجات الزراعية بغرض التصدير والتي تعطي قيمة مضافة حقيقية، فعلى سبيل المثال لا الحصر يجب تشجيع زراعة الفطر لما له من قيمة عالية، وتعزيز مخرجات دودة القز… الخ، إلى جانب تطعيم الأشجار بأنواع قابلة للتصدير، وهنا يأتي دور وزارة الزراعة بوضع خارطة لمثل هذه الزراعات وتعزيزها في خططها السنوية.

برسم الراسمين

بالعودة إلى الحكومة ومدى اضطلاعها بجانب التصدير، فعليها أخذ ما تتمتّع به بلدنا من خصوصية تميزه عن غيره من البلدان وما تنتجه من خامات نوعية، وموقع جغرافي يؤهله لإنتاج محاصيل زراعية نوعية وإستراتيجية، وهنا تبرز مدى قدرة راسمي سياستنا الاقتصادية على اكتشاف ما لدينا من مقومات نستطيع عبر استغلالها واستثمارها أن نسخرها في خدمة الاقتصاد الوطني ونشدّ من أزره، خاصة إن كانت هذه المقومات لها علاقة بالصناعة، ولاسيما إن كانت تاريخية وتقليدية وتفتقرها أغلب دول العالم، ما يتطلب التركيز عليها وتطويرها في هذه المرحلة بالذات، بدلاً من التسابق مع بعض الدول لتوطين صناعات كبيرة معمرة أو نصف معمرة كالصناعات الهندسية والإلكترونية (التلفزيونات والبرادات والسيارات.. الخ) المتوافرة في معظم دول العالم، ناهيكم -كما أسلفنا- عن صعوبة المنافسة فيها نتيجة ضعف سوية الخبرة والمعرفة الموجودة لدى بلدان المنشأ، في حين يمكن المنافسة في صناعات تقليدية قابلة للرواج والتي تشكل قطاعاً واسعاً في سورية رغم أنها لا تلقى الدعم المطلوب من جهة رفع سوية هذه الصناعات، بحيث تصدّر إلى معظم دول العالم إن لم نقل كلها، أو من خلال القيام بحملات ترويجية وتعريفية في الأسواق والدول الخارجية.