٥٠ لوحة و١٩ فناناً في معرض خريجي “أدهم إسماعيل”
أمينة عباس
لا يتوقف مركز أدهم إسماعيل للفنون التشكيلية عن الاحتفاء بخريجيه، من خلال المعارض الدائمة التي يحرص على إقامتها لهم، والتي تضم خلاصة الخبرات التي تلقوها في المركز على مدار سنوات دراستهم فيه على أيدي أفضل الأساتذة، وهذا ما تجلى في المعارض السابقة، ويتجلى اليوم في المعرض الفني التشكيلي الأخير لخريجي المركز، الذي افتتحته مؤخراً د.ديالا بركات وزيرة الثقافة في مقر المركز، والذي يضم ٥٠ لوحة بتقنية التصوير الزيتي وبمشاركة ١٩ فناناً هم خريجو النصف الأول من العام ٢٠٢٤.
يقول أ. قصي العبد الله الأسعد رئيس مركز أدهم إسماعيل للفنون التشكيلية: “يستمر المركز بتخريج دفعاته على مدار العام، وكعادته يقدم، اليوم، ومن خلال معرض الخريجين باقة ورود مؤلفة من ١٩ فناناً إلى حديقة الحياة الفنية التشكيلية ليسهموا بتقديم نتاجهم الفني ويمارسوا موهبتهم وهوايتهم بالشكل الأكاديمي المتقن والمبني على أسس منهجية وقواعد وضوابط أساسية في بناء اللوحة التشكيلية، وتالياً فإن ما نشاهده، اليوم، ما هو إلا ثمرة أهداف المركز التي تتجسد بخلق فنان واعٍ ومثقف وناضج فكرياً ومعرفياً ليساهم في صناعة الثقافة من خلال الفن التشكيلي”.
تتعدد الموضوعات المتقنة والمنوعة في المعرض وهي رسائل وهواجس وأفكار أراد الخريجون تقديمها إلى الرأي العام وللجمهور المهتم والذواق للحالة الجمالية، معبّرين فيها عن أهداف وحكايات وقصص، وقاصدين علاجها وتسليط الضوء عليها من خلال علم الجمال المجسّد باللوحة المكوّنة من مساحات قماش عليها خطوط وألوان تنسج فكراً وإبداعاً، فالخريجة سارة زراق عبّرت من خلال اللوحات التي شاركت بها عن الحب وسمو العلاقات الإنسانية عندما نرتقي بها، تقول: “إننا في زمن نحتاج فيه إلى الحب والمشاعر الصادقة، وقد حاولتُ إيصال مشاعر الدفء والسلام التي يولدها الحب الحقيقي بين الناس”، واختارت راما زروق المرأة لتكون موضوعاً للوحاتها وتشرح: “هي روح للأسرة وأساس للمجتمع، من دموعها تروي عطش أطفالها، ومن عروقها تنسج ثوباً يزين طلة من تحب، هي المرأة، لا تعطي لتأخذ، بل تعطي لأجل العطاء”. ولأن الأم هي رمز العطاء كانت بطلة لوحات رنيم بشير التي تؤكد “إن قمة الأخذ تكمن بالعطاء، فالأرض على سعتها تعطي بفيض، ولعلّ الأم هي رمز العطاء المطلق”، وتأسف في الوقت ذاته ساريمة طلال قابلو في لوحاتها لأن المرأة عبر العصور والأزمان وضعت في أطر وأنماط اجتماعية متعددة: “فرضت عليها سلوكيات محددة أبقتها تحت رحمة المجتمع وقوانينه، لكن وعلى الرغم من العفن الذي كسا هذهالقوانين إلا أنها تأبى أن تنكسر”، وليس بعيداً عن المرأة صوَّر ممتاز حنانا في لوحاته أسرة مكونة من أربعة أشخاص: “فيها الانسجام اللوني الدالّ عن تعاضد الأسرة وأفرادها باختلاف نظرتهم للمستقبل سواء أكانت نظرة حالمة أم باسمة”.
وعبّر الخريجون في لوحاتهم أيضاً عن حالات نفسية عديدة قد يمر فيها الإنسان كما فعلت شام ناصر أبو درهمين التي تحدثت عن حالة الإحباط التي يعيشها الفنان بسبب العوائق المجتمعية المحيطة به: “قيود المجتمع كثيرة، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بالفنّ بشتّى مجالاته”، أما ماسة المرادي فكان الخجل هو ما يشغلها في لوحاتها: “إنه شعور يتسم بالعمق والتعقيد، إذ يحمل الأشخاص الخجولون مشاعر عميقة يصعب على الآخرين فهمها، فهم يخوضون صراعات داخلية بمفردهم، ولا يدرك مدى تعقيد هذه الصراعات إلا من عاش التجربة ذاتها”، كما تناقش نور حبوب عبر ريشتها حالة الإنسان عندما يتعرض لحدث شديد في حياته: “لا تستطيع النفس استيعابه أو قبوله في الوقت نفسه، فيمر بمراحل مختلفة حتى يصل إلى قبول الواقع، وتتضمن هذه المراحل: الإنكار، والغضب، والمساومة، والاكتئاب، وأخيراً القبول”، وفي المقابل اختارت جودي النبواني لتعبّر في لوحاتها عن ثلاث خطايا هي: “الغرور الذي يعمي البصيرة، وجوع الروح الذي لا يشبع، والغضب ذلك البركان الذي يخلف وراءه رماد الندم”.. ولأن هموم الحياة ومشاكلها كثيرة تشرح لنا سيلدا الحسين في لوحاتها طريقة مواجهتها: “تجمعنا في بعض الأحيان نفس الهموم، فنراها تمرّ علينا جميعاً لكن طريقة مواجهتها والتعامل معها تختلف من شخص لآخر، ويرجع هذا إلى طبيعة كل واحد منا”، في حين عبّرت مها النابلسي عن تغير نظرة الإنسان للحياة مع كل مرحلة عمرية، وجسّدت الفكرة بواسطة الفنان الذي اختار الفرشاة للتعبير عن رؤيته الخاصة.
ولا يخلو المعرض من لوحات تعبّر عن التفاؤل جسّدتها هلا الحناوي تحت عنوان “تفاؤل”: “قد نجد أنفسنا في دوامة مظلمة إلا أننا ننهض من رمادنا ونبحث عن عقول ثمينة وأرواح نقية، نتجاوز القيود ونفكّ أسرنا لنعيش حياة واسعة مطمئنة، ونزيل بالنور غيوم الأفكار البالية”، وتحت عنوان “أحلام كبيرة” تقول سميرة السماحي: “لوحاتي الطموح والأمل بواقعٍ أجمل، سنبقى أوفياء لأحلامنا حتى نحققها، ولا تحلم إلا الأرواح القوية القادرة على السّعي لأحلامها”، وعن قوة التخلي تبيّن رشا الحمصي: “التخلي يمنحنا فرصة لإعادة تشكيل حياتنا بتفاؤل، لنكتشف قوتنا الحقيقية ونستعيد القدرة على النهوض، مُجدّدين التزامنا بالحياة”، وتتمحور مشاركة إيمان النشواتي حول دمشق أقدم مدينة مأهولة عبر التاريخ وما أبدعته الأيادي الدمشقية الماهرة في الحرف اليدوية من فن عريق، وتنطوي مشاركة محمد رمضان المحسنالتي جاءت تحت عنوان “إيقاعات فنية” على عالم الفن الذي تتلاقى فيه الألوان والأشكال والأفكار كموجاتٍ من الإبداع “تعصف بأرواحنا وتستقطب أنظارنا بالجمال الساحر الذي يروي قصصاً خفيّة ويعزف سيمفونيات على أوتار الوجدان”، وتذهب يمان دياب في لوحاتها نحو موضوع مثير هو الدجل والتنجيم: “بقصد التوعية بمخاطرهما”، ولم يغب ذوو الإعاقة عن لوحات المشاركين من خلال نوال البورصه لي: “ذوو الإعاقة يشكلون شريحة كبيرة في مجتمعنا، لذلك من الضروري اندماجهم في المجتمع ومشاركتهم في الأنشطة كلها”.