دراساتصحيفة البعث

حظر الأونروا سابقة في تاريخ الأمم المتحدة

د. معن منيف سليمان

شرع كيان الاحتلال الصهيوني رسمياً في إضعاف القضية الفلسطينية، وإسقاط الحقوق المشروعة للاجئين الفلسطينيين في الحصول على دعم أممي في قطاعات التعليم والصحة والإغاثة، حيث اتخذ الكيان الصهيوني خطوة تصعيدية خطيرة بإبلاغ الأمم المتحدة بأنه سيحظر عمل وكالة “الأونروا” خلال الأشهر الثلاثة المقبلة في كافة الأراضي المحتلة، وهو حدث تاريخيّ بامتياز، لم يحدث في تاريخ الأمم المتحدة منذ أن أُنشِئت في العام 1945 أن اتُّخذ إجراء مماثل بحق أية منظمة أممية تعمل في أية من الدول، ما يترتب على ذلك من تداعيات خطيرة وتعدياً على الأمم المتحدة ووكالاتها وميثاقها، وانتهاك صارخ تجاه اللاجئين الفلسطينيين في غزة وبقية الأرض الفلسطينية المحتلة.

تأسست “الأونروا” عام 1949، وهي وكالة تابعة للأمم المتحدة، وتعمل على دعم الإغاثة والتنمية البشرية للاجئين الفلسطينيين، ويتم تمويلها بالكامل تقريباً من خلال المساهمات الطوعية المقدمة من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة.

وظلت “الأونروا” بمنزلة شريان الحياة للاجئين الفلسطينيين في قطاع غزة المحتل والضفة الغربية، وفي البلدان المجاورة، طوال 75 عاماً منذ تأسيسها. ولولا العمل الدؤوب الذي قامت به “الأونروا” على مدى الأرباع الثلاثة الأخيرة من القرن، لكانت محنة الشعب الفلسطيني أشد قسوة.

واليوم شغلت “الأونروا” دوراً لا غنى عنه في تقديم الغذاء والماء والمعونة الطبية والتعليم والمأوى لنحو مليوني فلسطيني في غزة، الذين هُجّروا قسراً وتعرضوا لمجاعة مدبرة، ويواجهون خطر الإبادة الجماعية نتيجة لذلك، بسبب العدوان الإسرائيلي المستمر خلال الأشهر الـ 12 الماضية.

يرى البعض أن الاستهداف الإستراتيجي والمنهجي التراكمي لوكالة “الأونروا” يتعلق بقضية اللاجئين الفلسطينيين، وإلغاء حقهم في العودة، واقتلاع وطرد الفلسطينيين إلى خارج فلسطين، وتحويلهم إلى لاجئين بعد اغتصاب ومصادرة أراضيهم وممتلكاتهم، وتثبيت قاعدة مفادها: “لا لجوء إذاً لا نكبة”. وبذلك تتم تثبيت شرعية الاحتلال في الأمم المتحدة من خلال شطب القرار الأممي رقم 194 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 11 كانون الأول، 1948، الذي أكد على حق العودة والتعويض.

إن الطريق لتحقيق هذا الهدف يمر بمحاصرة “الأونروا” وشلّ قدراتها وخنقها حتى لا تتمكن من القيام بدورها وفقاً لولايتها، ليصبح لها مجرد رقم في الجمعية العامة ليس إلا، وتدريجياً إلغاء اسم “لاجئ” من خلال مشاريع التوطين التي ستُفرض على الدول المضيفة، وفقاً للرؤية الإسرائيلية. ولهذا، سيمهد ذلك لتقديم مشروع للجمعية العامة لشطب القرار 194 لأنه لم يعد هناك لاجئون فلسطينيون.

وعلى التوازي، فإن الاستهداف المنهجي والمتدرج والمتراكم، قد ظهر وتصاعد بشكل ملحوظ بدأ مع اتهام الاحتلال لتسعة موظفين يعملون في وكالة “الأونروا”، ومن ثم 19 موظفاً آخرين يُقال إنهم ينتمون إلى حركة “حماس” بالمشاركة في أحداث السابع من تشرين الأوّل 2023.

مع التصاعد التدريجي لاتهامات وادعاءات الاحتلال بحق الوكالة، مثل ادعاء أن أحد موظفي “الأونروا” قد أخفى رهينة إسرائيلية في “عليّة” منزله لمدة 43 يوماً دون إثبات، أو أن “الأونروا” تسهل لحركة “حماس” بناء الأنفاق تحت مدارسها، كانت نتيجة هذه المزاعم أن علّقت 18 دولة تبرعاتها المالية للوكالة ابتداءً من شهر كانون الثاني 2023، ثم عادت 17 منها نتيجة بطلان تلك المزاعم ونفيها من الأمم المتحدة، باستثناء الولايات المتحدة التي تعهدت باستئناف تبرعاتها للوكالة في آذار 2025 على الأقل.

وعرضت حكومة الاحتلال الإسرائيلي على برنامج الغذاء الدولي القيام بمهام “الأونروا” الإغاثية، إلا أنه رفض القيام بهذا الدور، ويسعى الكيان لخلط الأوراق ومنع أي دعم يصل للاجئين الفلسطينيين في مخيمات الضفة الغربية وقطاع غزة، وذلك للضغط عليهم بشتى الطرق لإجبارهم على القبول بالتهجير من أراضيهم.

وفي هذا السياق، قال ينس لايركه، المتحدث باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، إن “الأونروا لا غنى عنها ولا يوجد بديل عنها في الوقت الحالي”. وتابع، رداً على سؤال عما إذا كان الحظر يمثل نوعاً من “العقاب الجماعي” لسكان غزة: “أعتقد أنه وصف عادل لما قرروه هنا. فإذا طُبق، فسيزيد من أعمال العقاب الجماعي التي نشهد حدوثها في غزة”.

وأصدر الكنيست الإسرائيلي قراراً في 28 تشرين الأول الماضي بحظر عمل “الأونروا” في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ما يعني إلغاء الكيان العمل باتفاقية عام 1967 الموقعة مع وكالة “الأونروا”.

ويشمل الحظر مصادر مقرات الوكالة الأممية، ومنع دخول الأموال لـ”لأونروا”، وسحب تصاريح VIP  من العاملين فيها، ومنع إدخال المساعدات بواسطة الوكالة الأممية، بالإضافة لرفع الحصانة عن كافة الموظفين الدوليين العاملين في الوكالة.

القانون الإسرائيلي الجائر الذي يحظر عمل “الأونروا” سيؤدي إلى حدوث فراغ نتيجة غياب دور الوكالة في تقديم خدمات في التعليم والصحة والخدمات المختلفة للاجئين الفلسطينيين في قطاع غزة والقدس والضفة الغربية، وسيؤدي إلى تفاقم معاناة الفلسطينيين الذين تحملوا مصاعب لا يمكن تصورها، والذين أصبحت حاجتهم إلى الدعم العالمي أكبر من أي وقت مضى.

كما يشكل هذا القانون غير المعقول اعتداءً صريحاً على حقوق اللاجئين الفلسطينيين. ومن الواضح أن الهدف منه هو جعل عمل الوكالة في الأرض الفلسطينية المحتلة مستحيلاً عن طريق فرض إغلاق مقرها في القدس الشرقية، وإنهاء تأشيرات الدخول لموظفيها. إنه يرقى إلى تجريم المساعدات الإنسانية وسيؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية الكارثية المتفاقمة أصلاً.

ويقول خبراء القانون الدولي إن تمرير القانونين “يعد سابقة خطيرة وتعدياً على الأمم المتحدة ووكالاتها وميثاقها، بما في ذلك المادتان (2) و(105)، واعتداءً على الأعراف والاتفاقيات الدولية، خاصة اتفاقية جنيف الرابعة، وانتهاكاً لقرارات الجمعية العامة ذات الصلة بحصانات وحماية المنظمات الدولية، بما فيها قرار تأسيس الأونروا رقم 302 وفق المادة (17)، واتفاقية 1946 بشأن امتيازات وحصانات الأمم المتحدة”.

ناهيك من أن قرار الحظر اتُخذ في منطقة مصنفة وفق القانون الدولي بأنها محتلة، ولا يوجد أي معنى أو اعتراف للسيادة الإسرائيلية عليها. ولهذا يعدّ قرار الحظر مخالفة لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2730 الصادر بتاريخ 24 أيار 2024، الذي يلزم كيان الاحتلال الإسرائيلي باحترام وحماية المؤسسات الأممية وحماية العاملين فيها.

كما أن قرار الحظر يتعارض مع قرار محكمة العدل الدولية وفتواها القانونية الصادرين في 19 تموز 2024، اللذين أكدا أنه لا سيادة لـ”إسرائيل” على الأراضي الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس، وهي جزء من مناطق عمليات “الأونروا”، وهذا يُضاف إلى منهجية الاحتلال الذي يعدّ نفسه فوق القانون.

وفي هذا الصدد قال المفوض العام للوكالة فيليب لازاريني إن “قرار الحظر الصادر عن الكنيست يشكل سابقة خطيرة ويعارض ميثاق الأمم المتحدة”. كما أكد غوتيريش “عدم وجود بديل عن الأونروا”، مضيفاً إن “تطبيق القانونين قد يكون له عواقب مدمرة على لاجئي فلسطين في الأرض الفلسطينية المحتلة، وهو أمر غير مقبول”.

إن حظر عمل “الأونروا” وضع حكومة نتنياهو أمام مأزِق كبير، ذلك أن الحظر سيضع الكيان في مواجهة مع المجتمع الدولي الذي سارع إلى رفض هذا القانون، ولكن بقي عليه أن يمارس نفوذه على الحكومة الإسرائيلية لإلغائه.