ثقافةصحيفة البعث

القصة والشعر في تجاور اللغة والمعنى

حمص- سمر محفوض

يبقى الأدب يشغل حيزاً في تشكيل خلاصة التجارب الإنسانية وأحد مصادر المعارف وخزان ثقافي لا غنى عنه، ولاسيما في مجال الشعر، وقد جعل العرب منه ديواناً لتجاربهم على صعيد التعبير، فخلدوا فيه كنوز اللغة والحكمة والشجاعة والبطولات والحياة، حتى أنه يكاد يكون مصدر المعرفة والإبداع، أما القصة فتحاكي كنوع أدبي مهمّ العديد من القضايا الاجتماعية التي تسود العصر عبر تأثرها فيها ونقل الأحداث، والتجارب، والقيم المعنوية، وترسيخ المفاهيم الأساسية.

هذه مقدمة للحديث عن الأمسية الأدبية التي نظمها نادي أصدقاء فرع اتحاد كتّاب حمص، التي احتفت بالشعر والقصة معاً، واستهل الشاعر إبراهيم الهاشم مشاركته بثلاث قصائد غلبت عليها النوازع الوجدانية والوطنية والفلسفية، فحملت عناوين “أنشودة المحبة والشرق” و”على منهاج السواقي” و”تعاليم الجبال”، تغنّت بمعشوقة أبدية هي الشآم التي تنثر عطر مجد عتقته في دنان الحضارة العميقة المتصلة من جبال الساحل وشمرا إلى تدمر حاضرة الشرق العظيم، ومنها إلى كل بقعة سورية رائعة الحضارة، وأيقونة بمجد التاريخ عبر الزمان، فشكلت أساساً في مكونات بناء الحاضر المشرق بالتزامن مع التعبير عن تلك الحالة من الحب، وما تعنيه هذه الرقعة الجغرافية للشاعر من المحبة والإلهام في آن، بالاعتماد على عناصر جمالية متمثلة بالقافية ووقعها الموسيقي الشعري العفوي الآسر للألباب.

ولم تخرج مشاركة الشاعرة لمى الريس خارج سياق النصوص الوجدانية والغزلية والوطنية، فتماهت الحدود في قصيدتها “عرس الياسمين” ما بين المحبوب والوطن الذي ارتوى ترابه بالعزة والتضحيات، فأزهر انتصارات وعزيمة هي رمز فخر لأبنائه الكرام الذين حفظوا الدرس وساروا عليه كتقليد وعقيدة راسخة في القلوب.

بينما استلهمت الشاعرة هناء يزبك أفكار ومواضيع مشاركتها، من الواقع بقصائد وجدانية حملت عناوين “تقاسيم الثواني” و”اللحظة السكرى” و”مدائن التيه”، فتضمّنت في طياتها تعلقها والتصاقها بالوطن والحبيب من خلال ربط العاطفة تجاه الحبيب بمحبة الأرض، وارتباط كليهما داخلها بالحرية والحب والعنفوان، بلغة شعرية متقنة تنحاز للإنسان والحياة وقدسية الأرض، مبشّرة بحتمية الانتصار للخير والحب وقيم بناء الإنسان.

لتأتي مشاركة القاص جمال السلومي بقصة قصيرة بعنوان “ورود حمراء”، وفيها سلط الضوء على الغدر بأسلوب ساخر، فغاص في محتوى وكمّ الغدر الاجتماعي ووقعه النفسي، وتحليله كظاهرة هدامة للنفوس، ليصل إلى خلاصة مهمّة مفادها: “اعط من نفسك قدر استحقاق الآخرين، ولا تفرّط بمنح محبة لمن لا يقيم وزناً لمشاعرك لكي لا تحصد الخيبة والألم والخذلان”، وتعميم ذلك كحقيقة وقاعدة اجتماعية ثابتة.

ويضيء القاص علي الخليلي في قصته “دردشة في مقهى” على جانب اجتماعي يشغل الكثيرين، ويتناول موضوع العلاقة غير المتكافئة بين الوعي والضحالة الفكرية، وكيف توجه البطلة “غادة” زميلها نزار الذي يحاول استمالتها إليه عبر استعراض أناقته وممتلكاته المادية ومستواه الاجتماعي، لتغوص بذكاء في جوانبه النفسية لتبيان حقيقته وقيمته كإنسان ورونق داخلي قبل أي مظهر زائل، فيعترف عندها بأنه مع كلّ ما يمتلك هو أسير حاجته إلى السعادة، وافتقاره للمعنى الحقيقي لوجوده ورسالته عبر ما يعيشه، فتقترح عليه “غادة” كتاباً يسهم في إرشاده نحو بناء الشخصية والذات بقوة، وإبعاده عن الغرور المادي أو البحث في القشور والشكليات الجوفاء، وصولاً إلى قاعدة مؤثرة مفادها “السعادة تكمن بالتواضع والقناعة والرضى واكتساب الوعي واحترام تجارب الآخرين الإنسانية”.