نهاية الغرب
تظهر عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض فشل الديوقراطية الليبرالية التي أثبتت أنها غير قادرة على تقديم بنية متكاملة لفترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، فقد شارفت فترة زمنية على نهايتها وبدأت فترة أخرى، وليس هناك شيء يشير بوضوح إلى هذا التحول مثل انتخاب دونالد ترامب لولاية ثانية كرئيس للولايات المتحدة الأمريكية. إذ فقد الغرب سيطرته وبدأ الأساس المشترك للقيم، والذي كان يتداعى منذ فترة، بالانهيار.
ووفقاً ل”دير شبيغل” هناك العديد من التوترات بين الدول وبداخل المجتمعات والأحزاب اليمينية في صعود في إيطاليا وفرنسا وألمانيا، ولم يعد هناك وجود للغرب ككتلة للديموقراطيات الليبرالية.
إن العالم الغربي الذي إزدهر بعد 1945 كرد فعل على نظاميين شموليين وهم الإشتراكية القومية والستالينية. وكان الرايخ الألماني ،الذي أسسه هتلر، كتذكرة أنه يجب عدم تكرار مثل هذه الكارثة. قد شجعت الإمبراطورية السوفيتية خلف ستارها الحديدي والتي كان ينظر إليها كتهديد، الكثير من الدول الغربية على الاستثمار في مشروع مناهض راق ألا وهو الديمقراطية الإجتماعية والليبرالية.
تكمن قوة هذا النظام في اهتمامه بالجماعات والفرد على حد سواء. وجعل هذا النظام هدفه تقديم الرخاء للجميع عبر المساواة الإجتماعية وعبر إعطاء حقوق أكثر للنساء وللأشخاص مثليي الجنس ويتميز هذا النظام بغياب القيود الاستبدادية المفروضة من قبل الدولة. هذا كله جعل من الغرب جذابا لقرون تلت الحرب العالمية الثانية. ولقد تمتع الأفراد الذين عاشوا في الغرب بحرياتهم ومستوى المعيشة المرتفع، وهذا ما أدى لنشوء نواة عريضة كانت ركيزة أساس للديموقراطية الليبرالية.
تَبِعَ عصر الإيديولوجيات الشمولية، والتي كانت بجوهرها عبارة عن أديان سياسية، مرحلة من العقلانية والعقلانية المبنية على العلم. وتمت ممارسة السياسة بجدية كبيرة لأن الكثير كان على المحك وخصوصا منع عودة الفاشية ومقاومة الاتحاد السوفيتي.
انضمت الدول الغربية لحلف الناتو ولكن هذه الدول المفردة كانت أقل أهمية من هذا التحالف ككل وأصبحت الحدود الوطنية قابلة للاختراق وفي كثير من الأحيان اختفى تماماً.
كانت فترة العولمة والاتحاد الأوربي والمواطنة العالمية فترة زمنية جيدة رغم بعض العيوب والنواقص ولكنها انتهت الآن.
كيف يمكن لما بدأ بشكل واعد أن ينتهي الآن بدونالد ترامب ذو السياسات المتجذرة في الجنون، والذي يشوش على هذا النظام؟
كانت الخطوات الأولية إلى الأمام في الديموقراطيات الليبرالية تطورات إجتماعية. ولكن في نقطة زمنية ما، تم اعتبار أن هذه القضايا الإجتماعية حُلَّت بشكل كبير وبذلك انتهت فترة الديموقراطية الإجتماعية. ومع هذا، فلقد كان السواد الأعظم من المجتمع بحالة جيدة. وتحولت السياسات التقدمية لتحديات جديدة كالتخلص من النظام الأبوي وتأسيس حريات للأقليات وهي مشاريع ذات أهمية بكل تأكيد.
ولكن هذا التحول لم يتم إدارته بشكل جيد. فلقد أبدى السياسيون من يسار الوسط بشكل خاص، كالديموقراطيون في الولايات المتحدة وحزب الخضر في ألمانيا، إهتماماً ضئيلا بحقيقة أن قضية المخاوف المتعلقة بالمساواة والانحدار الاجتماعي لن تختفي ببساطة عندما يكون المستوى العام للرخاء في المجتمع مرتفعاَ. وهكذا كان الانطباع الناتج هو أن أحزاب يسار الوسط قد قدمت القليل للعمال الذين هم مركز المجتمع. والآن يتم إعتبار تكاليف المعيشة العالية كواحد من أهم أسباب فوز ترامب.
وبالإضافة لذلك فلقد كان الحكومات غير قادرة على إدارة ملف التغير المناخي بشكل مبكر كمشروع عقلاني وواضح، فلقد استمر التردد والغموض والتباطؤ لفترة طويلة مما أدى لإزدياد هذا التحدي بشكل كبير إلى حد أن الناس بدأوا بالخوف على حياتهم التي إعتادوا عليها.
ولقد استطاع ترامب، بإنكاره هذه الحقائق، الاستفادة من ذلك.
وقلل الديموقراطيون الليبراليون أيضا من أهمية استمرار مفهوم الأمة. فعندما اختفى الاتحاد السوفيتي فقد الغرب أهم مصدر للترابط، وبدون وجود ضغط للبقاء متحدا، بدأ الكثيرون بالتركيز باهتمام على مصالحهم الخاصة. فلم تعد حماية الغرب ككل محط التركيز ولكن الدفاع عن الوطن. وأعتُبر المهاجرون بشكل متزايد خطراَ. ولم تعطي الديموقراطيات الليبرالية هذا التحول إلا قدرا قليلاَ من الاهتمام. وهذا كان ميزة لصالح ترامب.
وفي البداية فلقد سهل الخوف من الحرب ومن الحكم الشمولي للأشخاص في الحكومات مهمة الحفاظ على تماسك المجتمعات في دول الغرب. ولكن الليبراليون فشلوا في توفير بنية متماسكة لفترة ما بعد الحرب. بل أن بعضهم افتقر ببساطة للجدية المطلوبة وهكذا خسروا جزءاَ كبيرا من المجتمع، إلى الحد الذي جعل العديد من الناخبين يشعرون بأنهم ممثلون بشكل أفضل في ظل الأصوات الاستبدادية.
إن يتسنى لنا أن ننجح في إحياء الغرب إلا إذا أدركنا أخيراً أن كل القضايا تقريباً هي قضايا اجتماعية أيضاً، سواء كانت تتعلق بالسياسة الاقتصادية، أو سياسة الهجرة، أو سياسة المناخ.
ترجمة الدكتور أحمد جنيد