الذهنية التفاؤلية!
بشير فرزان
يغيب عن أصحاب الذهنية التفاؤلية أن التفاؤل ليس مجرد كلمة أو حالة افتراضية نستخدمها كيفما نشاء، بل هو حالة واقعية لها مرتكزاتها وأسسها ومحدّداتها الكثيرة، وبغير ذلك فهو مجرد سراب لا يجلب إلا خيبات الأمل والعودة من ثم إلى الأفكار القديمة دون أي تصوّر جديد للمرحلة القادمة. وهنا نركز على أن المسألة ليست مجرد انتزاع لفتيل القرارات السابقة ونسفها بالكامل وإعادة الأمور إلى سابق عهدها، وكأن الزمن توقف عند تواريخ وحالات سابقة، فمثلاً إلغاء المسابقات المركزية والعودة بالمسابقات إلى ما كانت عليه، حسب رغبة كلّ جهة، هو حالة إيجابية، ولكنه محفوف بمخاطر التدخلات الواسعة والرغبات الذاتية الموجودة في كلّ إدارة، إن لم نقل نفعية، فهل ستعاد التجربة السابقة بحذافيرها، أم يكون هناك نظم جديدة غير تلك التي كانت شوّهت بنتائجها العمل الحكومي بكل تفاصيله.
ولا بدّ هنا من التفكير بصوتٍ عالٍ، والتأكيد على أن تغيير نمط التفكير الإداري والتخطيط الحكومي على قاعدة “إن كلّ ما سبق كان على خطأ بالمجمل”، عنواناً للعمل الحكومي، وهذا الرهان مغامرة حقيقية وتوغل غير مدروس النتائج في ساحات وميادين التفاؤل الخلبي ومسارات إحداث “نقلة نوعية في الأداء” داخل الوزارات والمؤسّسات بمختلف أنواعها، وما يزيد من قوة هذا الافتراض حالة التبشير التي يقوم بها البعض بأن الأيام القادمة ستكون أفضل حالاً بالاستناد إلى أفكارهم النظرية التي لا يمكن تنفيذها كحال الكثير من القوانين المغيّبة قسراً عن الواقع التنفيذي، وهذا بحدّ ذاته يشكّل المطب الأول في وجه أي انطلاقة جديدة في العمل المؤسّساتي.
وعلى ما يبدو فإن الأمور اليوم تتسارع في هذا المسار المؤسّساتي الضيّق، والدليل أن مسار الإصلاح الإداري التنموي وما يتمّ حالياً ضمن إطار الانقلاب الأبيض على ما سبق ضمن مفاهيم الخطأ في الوجهة والتوجّه، أثقل بالكثير من النظريات التي أبطأت مساراته سابقاً إلى حدّ “الوقوف قف”، فالقوانين مؤجلة والإعداد والتأهيل لا يخلو من الدوران في دواليب الأرقام الراصدة لعدد الدورات المقامة دون أي انعكاس حقيقي على العمل المؤسّساتي الوظيفي الذي بات أداؤه أشبه بـ “الغسيل المعلق على الحبال”!
بالمختصر.. التفكير خارج الصندوق يحتاج إلى الخروج من حدود الأفكار والتجارب السابقة واستخدام أدوات وطرق مبتكرة، فهناك اختلاف بين من أجاب عن سؤال “هل 5+5= 11؟” بعبارة “خطأ”، وبين من أجاب بنعم في حال أضفنا لها 1! وبناءً على ذلك لن يكون إنجاز حقيقي إلا من التفكير الجاد بتأمين أبسط المتطلبات الحياتية، ووضع تصوّر كامل للمرحلة القادمة من كافة النواحي بدلاً من البدء بسياسة نزع الفتيل دون أي سمت حقيقي، أو فهم كافٍ لما هو مطلوب بشكل تفصيلي؟!