دراساتصحيفة البعث

بداية جديدة أم أنماط قديمة لأكبر اقتصادين في العالم؟

عائدة أسعد

انتخب الشعب الأمريكي دونالد ترامب الرئيس السابع والأربعين للولايات المتحدة، وهو حدث مهمّ للعالم أجمع وليس فقط للأميركيين، لأن الدور الذي تلعبه الولايات المتحدة في الشؤون العالمية يجعل كلّ انتخابات رئاسية مسألة ذات أهمية دولية كبيرة.

وبصفتها زعيمة أكبر اقتصاد في العالم مع نطاق عسكري ودبلوماسي لا مثيل له، فإن صدى سياسات الإدارة الأمريكية الجديدة واتجاهاتها سيتردّد إلى ما هو أبعد من حدود البلاد، وستكون العلاقة بين الولايات المتحدة والصين هي المحور الأهم.

ومن المعروف أن العلاقة الصينية الأمريكية تطوّرت إلى تنافس معقد يشمل أبعاداً اقتصادية وتكنولوجية وعسكرية وأيديولوجية، وليس من المرجح أن يتلاشى هذا التنافس في أي وقت قريب، وهو يخاطر بأن يصبح مصدراً لانقسام عالمي أكبر ويتجذّر جوهر هذا التنافس أيضاً في رؤى مختلفة للزعامة العالمية والهوية الوطنية، حيث يتنافس البلدان على النفوذ على المسرح العالمي.

ومن ثم، فإن التغيير الحقيقي في هذه الديناميكية يتطلب تحولاً نموذجياً كبيراً لإعادة تقييم فهم الولايات المتحدة للنوايا الإستراتيجية للصين، حيث ينبع قدر كبير من التوتر بين القوتين الرئيسيتين من تصور في واشنطن بأن صعود الصين يشكل تهديداً مباشراً لازدهار الولايات المتحدة، وأسلوب الحياة الأميركي، ويغذي هذا الاعتقاد ميلاً نحو السياسات الدفاعية والمعادية التي لا تخدم إلا في تصعيد التوترات.

ولذلك، ينبغي لترامب أن يدرك أن عليه ألا ينظر للنهضة الحتمية للصين من خلال عدسة التهديد أو العداء، ففي حين يستمر النفوذ الاقتصادي والسياسي للصين في النمو، فإن هذا النمو لا يعني بالضرورة أنه سيأتي على حساب الولايات المتحدة أو مكانتها العالمية. وفي الواقع، ليس من الممكن فحسب، بل من الضروري أن تتناغم قوة الصين مع قوة الولايات المتحدة من أجل الاستقرار والسلام العالميين.

وللتنقل في هذا المشهد المتطور، يتوجّب على الإدارة الأمريكية الجديدة إعادة النظر في نهجها تجاه الصين، فالنظر إلى صعود الصين كفرصة للتعاون، وليس لعبة محصلتها صفر أمر بالغ الأهمية، ويجب أن تبدأ إعادة تقييم النوايا الإستراتيجية للصين بالاعتراف بالطبيعة السلمية لصعود الصين.

لقد أظهرت الصين على مدى العقود القليلة الماضية نهجاً غير تدخلي إلى حدّ كبير في السياسة الخارجية، مع التركيز على التنمية الداخلية والنمو الاقتصادي بدلاً من الطموحات التوسعية أو الإمبريالية، ومبادرة الحزام والطريق هي رمز لإستراتيجية الصين لتعزيز نفوذها العالمي من خلال العلاقات الاقتصادية، وتطوير البنية الأساسية بدلاً من القوة العسكرية.

إن صعود الصين يأتي مع تعقيدات محدّدة، فالقوة نسبية، ومع زيادة نفوذ الصين العالمي، فإن هيمنة الولايات المتحدة الأحادية الجانب في الشؤون العالمية تتآكل حتماً، وقد أدّى هذا التحول في ميزان القوى العالمي بشكل مفهوم إلى القلق في الولايات المتحدة بشأن دورها المستقبلي في العالم.

ومع ذلك، فإن هذه اللحظة في التاريخ تقدّم فرصة للولايات المتحدة لإعادة تعريف معنى القيادة في عالم متعدّد الأقطاب حقاً، ولا يزال بإمكان الولايات المتحدة إظهار القيادة من خلال تعزيز نظام عالمي يعطي الأولوية للتعاون والدبلوماسية والاحترام المتبادل، بدلاً من نظام متجذّر في التنافس والصراع وعقلية اللعبة الصفرية.

ويمكن النظر إلى صعود الصين السلمي، إلى جانب سوقها المحلية الضخمة وبراعتها التكنولوجية المتنامية، على أنه مكمل للنمو العالمي، وليس قوة مزعزعة للاستقرار، كما يتمثل التحدي الذي تواجهه الولايات المتحدة في تغيير عقليتها من عقلية الاحتواء والمواجهة إلى عقلية المشاركة والشراكة، حيث يمكنها من خلال القيام بذلك المساعدة في تشكيل مستقبل لتساهم الدولتان في عالم أكثر سلاماً وازدهاراً.

وتكون الخطوة الحاسمة نحو تحقيق هذا الهدف من خلال الحوار والدبلوماسية، والعمل مع الصين لمعالجة التحديات العالمية المشتركة، مثل تغيّر المناخ والصحة العامة، كما أن الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي أمر ضروري، فكلا البلدين لديه مصلحة في معالجة هذه القضايا، ويمكن للتعاون في هذه المجالات أن يكون بمثابة أساس لبناء الثقة والحدّ من التوترات.

وعلاوة على ذلك، فإن معالجة المجالات التي تشتد فيها المنافسة بين الولايات المتحدة والصين، مثل التكنولوجيا والتجارة تتطلّب نهجاً دقيقاً يوازن بين المصالح الوطنية والحاجة الأوسع للاستقرار العالمي.

إن خطر تصعيد التنافس بين الولايات المتحدة والصين حقيقي، ولكنه ليس حتمياً، وفي حين أنه من المرجّح أن تستمر المنافسة بين القوتين الرئيسيتين، لكن لا تستوجب التحول إلى صراع صريح، ولدى الإدارة الأميركية الجديدة الفرصة لاتخاذ خطوة جريئة في إعادة تقييم فهمها للنوايا الإستراتيجية للصين، وصياغة نهج أكثر استشرافاً وتعاوناً لإدارة العلاقات الصينية الأميركية. ومن خلال القيام بذلك، يمكن للإدارة تعظيم فرص مستقبل سلمي ومزدهر للبشرية جمعاء.

في هذه اللحظة المحورية في التاريخ، يراقب العالم لأنه سيكون للطريقة التي تختار الولايات المتحدة التعامل بها مع الصين آثار عميقة ليس فقط على مستقبل البلدين، ولكن أيضاً على مستقبل النظام العالمي، ويجب على الولايات المتحدة الآن وأكثر من أي وقت مضى أن ترتقي إلى مستوى تحدي القيادة من خلال تبني الدبلوماسية، وتعزيز التعاون والسعي إلى مستقبل مزدهر، لأن صعود الصين لا يشير إلى تراجع الولايات المتحدة، بل إلى فرصة للتقدم المشترك.