دراساتصحيفة البعث

وثائق تثبت تورط المملكة المتحدة بجرائم الإبادة الجماعية في غزة

هيفاء علي

منذ أن منحت بريطانيا اليهود “الحق في إقامة دولة” لهم على أرض فلسطين التاريخية، عبر “وعد بلفور” المشؤوم، وحكومات المملكة المتحدة المتعاقبة، لا تتوانَ عن دعم دولة الاحتلال وتزويدها بالسلاح والمال من أجل إبادة الشعب الفلسطيني وتصفية القضية نهائياً، حتى وإن أبدت عكس ذلك، فالسياسات التي تنتهجها تساعد على تقوية شوكة “إسرائيل” في عدوانها على الشعب الفلسطيني الأعزل، ما يضعها في دائرة الاتهام والمسؤولية المباشرة عن جرائم الحرب والإبادة الجماعية التي ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة.

وتتعرض الحكومة البريطانية لضغوط من أجل نشر أحدث مشورة قانونية عن سلوك “إسرائيل” في الحرب على قطاع غزة، الأمر الذي قد يؤثر على صادرات الأسلحة البريطانية.

وقد أمدّت بريطانيا “إسرائيل” بما قيمته 42 مليون جنيه إسترليني (53 مليون دولار) من الأسلحة في عام 2022. وقررت الحكومة في كانون الأول الماضي أن تستمر هذه الصادرات، لكنها ستظل قيد المراجعة. وتم الكشف عن أن سلاح الجو الملكي قام بـ 200 رحلة استطلاعية فوق غزة منذ شهر كانون الأول العام الماضي. وشهد شهر آذار الماضي أكبر عدد من رحلات التجسس البريطانية فوق غزة بـ 44 طلعة تجسسية، وأقلعت جميع رحلات التجسس البريطانية من قاعدة سلاح الجو الملكي البريطاني في أكروتيري، وهي قاعدة جوية بريطانية مترامية الأطراف في قبرص.

ورفضت حكومة المملكة المتحدة تقديم أي تفاصيل حول الرحلات الجوية، لكن شركة “ديكلاسيفايد” قامت بشكل مستقل بوضع جدول زمني، أظهر أن العدد غير العادي من المهام خلال الأشهر الماضية يصل إلى أكثر من رحلة جوية يومياً، ويستمر مع غزو “إسرائيل” لمدينة رفح الجنوبية التي يُفترض أنها آمنة، حسب مزاعم جيش الاحتلال. وتم تقديم شكوى جنائية جديدة إلى شرطة العاصمة تزعم تواطؤ مسؤولين حكوميين بريطانيين محتملين في المساعدة والتحريض على التجويع المتعمد للفلسطينيين، وذلك بالتوازي مع شكوى قدمها المركز الدولي للعدالة من أجل الفلسطينيين تتهم السياسيين البريطانيين بالمسؤولية الجنائية عن تورطهم في جرائم حرب إسرائيلية في قطاع غزة.

كما إن الشكوى المقدمة إلى محكمة العدل الدولية تذكر أسماء 22 شخصاً، من بينهم 5 من كبار وزراء حكومة المملكة المتحدة. وتقول الشكوى إن خمسة وزراء في الحكومة البريطانية متواطئون في جرائم حرب إسرائيلية مزعومة من خلال المساعدة والتحريض، من خلال الدعم العسكري والتشجيع المعنوي. ويتم الحفاظ على سرية أسماء السياسيين في الشكوى من أجل السماح لشرطة العاصمة بمراجعة الأدلة. وتتهم الشكوى أيضاً سياسيين وعسكريين إسرائيليين، بالإضافة إلى مواطنين بريطانيين عاديين يقاتلون في صفوف جيش الاحتلال الإسرائيلي. وتقول الشكوى الأخيرة: “إن إسرائيل تتسبب عمداً في معاناة كبيرة، وتستخدم المجاعة كسلاح حرب، وكلاهما جرائم حرب بموجب تشريعات المملكة المتحدة والقانون الدولي؛ بما في ذلك بموجب نظام روما الأساسي واتفاقيات جنيف”.

بينما تتضمن شكوى قضائية قدمتها المنظمة الدولية للإصلاح الجنائي أدلة مستفيضة تتضمن تفاصيل مروعة عن الكيفية التي أدى بها الحصار الإسرائيلي المفروض على غزة، والتأخير في السماح بدخول الأدوية والوقود والغذاء والمياه إلى القطاع إلى أضرار ومعاناة مروعة.

في سياق متصل، كشف الموقع الإخباري الأيرلندي “ذا ديتش” النقاب عن وثائق تثبت تورط المملكة المتحدة في جرائم الإبادة الجماعية التي تركبها حليفتها “إسرائيل” في غزة. وأفاد أن عمليات شحن وتسليم الأسلحة استمرت في ظل حكومة حزب العمال بقيادة كير ستارمر.

وقد تم نقل أجزاء من الطائرات المقاتلة من طراز F-35 سراً إلى “إسرائيل” من قاعدة جوية بريطانية في نورفولك، كما تم إرسال ما لا يقل عن سبع شحنات من الأسلحة من سلاح الجو الملكي البريطاني مارهام إلى قاعدة إف-35 الجوية الإسرائيلية في “نيفاتيم” منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة.

وأضاف التقرير الذي أعده الموقع الأيرلندي أنه تمت اثنتين من هذه التسليمات الصيف الفائت، بعد وقت قصير من تولي كير ستارمر منصب رئيس وزراء بريطانيا، وتظهر هذه الوثائق أن الحكومة البريطانية لم توافق فقط على تراخيص تصدير طائرات إف-35 إلى “إسرائيل”، بل قامت أيضاً بتسهيل نقلها عبر المواقع العسكرية البريطانية.  وكانت عمليات تسليم طائرات F-35 مثيرة للجدل بشكل خاص منذ أن تبين أن “إسرائيل” استخدمت إحدى الطائرات لقصف منطقة مدنية آمنة في غزة، مما أسفر عن سقوط 90 شخصاً.

وقال سام بيرلو فريمان، العضو في الحملة ضد تجارة الأسلحة، إن “طائرة “إف 16” تلعب دوراً رئيسياً في الإبادة الجماعية الإسرائيلية المستمرة في غزة للعام الثاني على التوالي، والقصف الوحشي وغزو لبنان، وأضاف أن المملكة المتحدة لا تمنح تراخيص لتوريد قطع الغيار فحسب، بل تستخدم بنشاط الأصول العسكرية البريطانية لتسهيل تسليمها، ما يجعل الوزراء البريطانيين وربما حتى العسكريين متواطئين في جرائم الحرب.  وتدرس المحكمة الجنائية الدولية حالياً إصدار أوامر اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

ومن جهتها حذرت منظمة “هيومن رايتس ووتش” من أن الدول التي تزود “إسرائيل” بالأسلحة متواطئة في جرائم الإبادة الجماعية، حيث  تم تسليم الشحنات السبع لأجزاء F-35 من سلاح الجو الملكي البريطاني مارهام في 11 تشرين الثاني 2023، و13 كانون الثاني و21 من الشهر نفسه، و7 شباط، و28 نيسان، و28 تموز، و6 آب 2024.  وفي ست من هذه الحالات، كان المرسل المسجل هو مكتب شركة “لوكهيد مارتن” للأنظمة المتكاملة في المملكة المتحدة، ومقره في هافانت، وهي بلدة قريبة من بورتسموث. و”لوكهيد مارتن” هي مجموعة أسلحة أمريكية كبيرة، واللاعب الرئيسي في الكونسورتيوم الدولي الذي ينتج الطائرات المقاتلة من طراز.  F-35 وموقع هافانت هو المقر الرئيسي لشركة “لوكهيد مارتن” في بريطانيا، ويعمل فيه أكثر من 500 شخص ويعملون في برنامج إف-35.

وقد تم نقل المكونات من سلاح الجو الملكي البريطاني مرهام إلى مطار هيثرو ومن ثم نقلها إلى “تل أبيب” على متن رحلات شحن تديرها شركة الطيران الإسرائيلية العال. أما بالنسبة لكل شحنة، فإن المستلم النهائي لأجزاء F-35 لديه الرمز البريدي 8955000، والذي يتوافق مع عنوان قاعدة “نيفاتيم” الجوية. وهذا الموقع الواقع في صحراء النقب هو موطن لأسراب طائرات إف-35 الإسرائيلية، التي كانت هدفاً مفضلاً لضربات الصواريخ الباليستية الإيرانية رداً على اغتيال قادة المقاومة في فلسطين وجنوب لبنان، ورداً على العدوان الوحشي على قطاع غزة.