من دون محطات الإنذار المبكر.. التشريعات لن تحمي الغابات ولن تمنع تجارة الاحتطاب!
علي عبود
كلّ الحكومات السابقة عقدت اجتماعات لمجلس الوزراء أو للجهات المعنية لمناقشة الحدّ من اندلاع الحرائق ودرء أخطارها، ولم تُقصّر أيّ حكومة بالتصريحات وقطع الوعود باتخاذ ما يلزم لمواجهة الحرائق في الأعوام التالية، لكنها المرة الأولى التي تجتمع الحكومة بعد اندلاع كمّ كبير من الحرائق الكبيرة والمفتعلة والتي امتدت إلى عدة قرى وهجّرت سكانها، وتقرّر الآليات الفعالة، ليس لمنع الحرائق التي لا تستطيع أي دولة في العالم منعها، وإنما تخفيض عددها، ومنع انتشارها إلى مساحات واسعة إلى حدّ يصعب بعدها السيطرة عليها وإخمادها خلال فترة قصيرة.
تأمين الإمكانيات
ولم يكتفِ رئيس الحكومة الدكتور محمد غازي الجلالي بمناقشة الآليات الفعّالة، بل طلب من الوزراء المعنيين متابعة تنفيذها فوراً، ما يعني أننا لن نشهد حرائق كبيرة، سواء كانت مفتعلة أو بسبب الإهمال أو المناخ في الأعوام التالية في حال تنفيذ الخطة الموعودة، ومن المهمّ أن نستفيد في هذا المجال من تجارب الدول التي تملك خبرة واسعة في مكافحة الحرائق وتطويقها لمنع انتشارها إلى مساحات واسعة!.
من المؤكد وعلى مدى السنوات الماضية أن التشريعات لم ولن تحمي الغابات والحراج من دون تأمين الإمكانيات والآليات المتّبعة في معظم الدول التي تندلع فيها الحرائق، ومن أبرزها محطات الإنذار المبكر، والسؤال: هل ستترجم قرارات الحكومة التي حدّدت الآليات الفعّالة لمنع الحرائق ودرء أخطارها موضع التنفيذ في وقت مبكر قبل موسم الحرائق في عام 2025؟.
اهتمام استثنائي
ما لفتنا في جلسة مجلس الوزراء المنعقدة بتاريخ 5/11/2024 ليس مناقشة موضوع الحرائق التي اندلعت مؤخراً، وإنما الاهتمام الاستثنائي بتنفيذ خطة الإنذار المبكر للحرائق في الغابات والحراج واتخاذ ما يلزم لمنع اندلاعها بالتعاون والتنسيق بين الوزارات والمحافظات.
ولسنا مع من أكد أن التحضيرات المسبقة والاستعداد وجهوزية فرق إدارة الحرائق ووجود خريطة لتوزيع الآليات المخصصة للتدخل، ساهمت بشكل كبير في الحدّ من الحرائق، فالاستعدادات كانت مثل الأعوام الماضية في حدّها الأدنى، وأفواج الإطفاء ينقصها الكثير من الإمكانيات، وآليات رقابة الغابات تكاد تكون معدومة، والاعتمادات المرصودة لشقّ الطرق النارية والزراعية هزيلة.. إلخ، ولولا الأمطار الغزيرة لطال زمن الحرائق أكثر ولكانت الخسائر أفدح!.
ما نأمله أن يقوم الوزراء المعنيون بترجمة اهتمام رئيس الحكومة بتنفيذ خطة الإنذار المبكر.. فهل سيفعلونها خلال الأشهر القادمة؟.
تحتاج لقرار من المالية
وفي هذا السياق لا يكفي أن يؤكد رئيس الحكومة على الوزارات والجهات المعنية العمل على التنسيق المشترك مع المحافظين لمتابعة تنفيذ خطة الإنذار المبكر للحرائق في الغابات والحراج والمساحات الزراعية في المحافظات كافة، كما لا يكفي طلب رئيس الحكومة من الجهات المعنية على مختلف مسمياتها ومتدرجاتها باتخاذ التدابير المطلوبة لفتح خطوط النار وتعزيز نقاط المراقبة، وإبقاء آليات الإطفاء والصهاريج والمعدات اللازمة بحالة الجهوزية الكاملة في كافة الوحدات الإدارية.. إلخ
المطلوب أكثر من ذلك، فتنفيذ خطة الإنذار المبكر تحتاج إلى اعتمادات مالية لإقامة أبراج إنذار مبكر وسط الغابات والحراج، وتزويد أفواج الإطفاء بالآليات والمعدات الحديثة، وبتركيب كاميرات سرية في أماكن اندلاع الحرائق تبث صورها على مدار الساعة للمركز الرئيسي المكلف بحماية الغابات، وبشق ما يفيض عن الحاجة من الطرق النارية، وبتأمين مسيّرات تراقب الحراج في أشهر التحاريق.. إلخ.
وبما أن تأمين كلّ هذه الإمكانيات والمستلزمات تحتاج إلى الاعتمادات، فإننا نقترح أن يُكلّف رئيس الحكومة وزير المالية بترؤس لجنة تنفيذ خطة الإنذار المبكر والتي تضمّ الوزراء المعنيين والمحافظين وممثلين عن المجتمع المحلي.
آلية تنفيذية
لم يتأخر رئيس الحكومة كثيراً لتنفيذ ما تمّ مناقشته في جلسة مجلس الوزراء، فأصدر في اليوم التالي قراراً إلى وزارات الداخلية والدفاع والإدارة المحلية والبيئة والزراعة، بيّن فيه أنه “بناء على ما تقرّر في جلسة مجلس الوزراء يوم الثلاثاء الماضي، يطلب التنسيق المشترك مع المحافظين كلٌّ فيما يخصّه لمتابعة تنفيذ خطة الإنذار المبكر للحرائق في الغابات والحراج والمساحات الزراعية في المحافظات كافة، واتخاذ التدابير المطلوبة لفتح خطوط النار، وتعزيز نقاط المراقبة، وإبقاء آليات الإطفاء والصهاريج والمعدات اللازمة بحالة الجهوزية الكاملة في كافة الوحدات الإدارية، وتفعيل دور المجتمع المحلي في هذا الإطار ليصار إلى التدخل المباشر عند حدوث أي طارئ، وتذليل كافة الصعوبات التي تعترض التنفيذ، ووضع المعنيين أمام مسؤولياتهم في هذا المجال”.
نستنتج من هذا القرار أن هناك خطة إنذار مبكر للحرائق، والسؤال: هل الإمكانيات الفنية والمادية واللوجستية مؤمنة لخطة الإنذار المبكر؟.
وبسؤال أكثر دقة: هل تنتشر في الغابات محطات إنذار مبكر، ومصادر كافية للمياه، وأفواج قريبة من الحراج وكاميرات… إلخ؟
نكرّرها مجدداً، إذا أراد رئيس الحكومة تنفيذ خطة الإنذار المبكر للحرائق في الغابات والحراج فليكلف وزير المالية بتنفيذها؟.
غير كافية وحدها
لقد توهمت الحكومات السابقة أن التشريعات التي تتضمن عقوبات وغرامات كانت كافية لحماية الحراج والغابات لتكتشف سريعاً أنها لم تحدّ من انتشار الحرائق وزيادتها، وخاصة بعد عام من صدور قانوني الحراج والضابطة الجديدين.
ومن المستغرب أن تتوهم مديرية الحراج في وزارة الزراعة أن “هناك إجراءين مهمّين لحماية الحراج من التحطيب الأول قانون الحراج رقم /39/ لعام 2023 وقانون الضابطة رقم 26 لعام 2024″، فالسؤال هنا: ما جدوى القبض على المحتطبين أو مصادرة شاحنات الأحطاب بعد اندلاع الحرائق؟.
نعم، التشريعات ضرورية جداً لكنها غير فعّالة من دون خطة إنذار مبكر للحرائق، بل إن هذه الخطة غير كافية إن لم تؤمّن مستلزماتها الأساسية من محطات مراقبة وسيارات لأفواج الإطفاء مع معداتها المتطورة، وطرق برية، ومصادر مياه، وكاميرات ومسيّرات.. إلخ.
ومن الضروري جداً التنسيق بين الوزارات والجهات المعنية بتنفيذ خطة الإنذار المبكر، والجهات المكلفة بتطبيق قانوني الحراج والضابطة، مع التأكيد على أهمية رصد الاعتمادات الكافية لتأمين مستلزمات هذه الخطة التي أصدر رئيس الحكومة قراراً لتنفيذها فوراً.
تجاهل متعمد للإنذار المبكر
سيفاجأ الكثيرون أن الهيئة العامة للاستشعار عن بعد بدأت بوضع الخطط لنظام إنذار مبكر منذ عام 2005، ولكنه لم يُنجز حتى الآن، بسبب التجاهل المتعمّد للحكومات المتعاقبة بحماية الحراج والغابات، بدليل أنها لم تناقشه في الاجتماعات المخصّصة لمناقشة حرائق الغابات لا قبل ولا بعد اندلاعها إلا مؤخراً!.