التربية والإعلام ودورهما في حماية الهوية
أمينة عباس
ليس غريباً على الإعلامي محمد خالد الخضر استمراره في تسليط الضوء على موضوع الهوية عبر ندواته المتتالية التي يعقدها، عادة، في المركز الثقافي العربي في أبو رمانة، انطلاقاً من واجب دقّ ناقوس الخطر المتمثل بما يمكن أن تتعرّض له الهوية من تهديد، خاصة وأن الحرب التي شُنّت على سورية كان من أحد أهدافها طمس هويتنا الوطنية والعربية، وهو ما أكده الحضور في الندوة التي عُقِدت، مؤخراً، تحت عنوان “دور التربية والإعلام في حماية الهوية”، إذ أجمعوا من خلال مداخلاتهم التي لخّصها الكاتب والإعلامي عماد نداف على أن “الهوية السورية في أزمة، وقد تعرّضنا لحرب إعلامية كبيرة واجهناها بتقنيات كلاسيكية في الإعلام غير المشاهَد لأسباب مختلفة وهو لا يواكب ما يحدث في الميديا، وحتى اليوم ليس لدينا منهج إعلامي حقيقي في الدفاع عن الهوية والانتماء، والجيل الحالي تقوده وسائل الإعلام الحديثة، والطالب يتلقى تعليمه ضمن أسرة تشتّتت في أصقاع الأرض وفي مدارس لم تعد كما كانت”.
شارك في الندوة الباحث د. هاني الخوري وأ. عبد الحليم اليوسف مدير تربية ريف دمشق والإعلامية أنسام السيد مديرة “قناة دراما” التي ارتأت في مشاركتها التذكير بدور الإعلام السابق فقالت: “كان الأداة الأولى التي تجمع الأسرة حول الشاشة الصغيرة لمتابعة البرامج الثقافية التوعوية والتعليمية والترفيهية الموجهة لتعزيز سلوكيات وأخلاقيات الانتماء والتعريف بثقافتنا، وهذا جزء من هويتنا، أما اليوم ومع التطور الهائل في الإعلام ووسائله وما تبثه ويتلقاه مجتمعنا باتت المهمّة صعبة، فلم يعد الإعلام تلك الوسيلة الترفيهية باعتبارها تجلب المتعة والفائدة والثقافة فقط بل أداة ندافع بها عن أرضنا ووجودنا وهويتنا، وأنا كمديرة لـ”قناة دراما” أحرص على تعزيز الهوية والحفاظ عليها من خلال إعادة بعض البرامج والمسلسلات المهمّة للتذكير بالقيم التي كانت تدعو إليها، مع إشارتي إلى الدور الكبير للمدرسة التي ابتعد طلابها عن العديد من القيم بسبب أسلوب إعطاء المنهاج وطريقة التعليم، وقد غاب عنها العديد من السلوكيات التي تربت عليها أجيال على صعيد احترام الثوابت: تحية العلم والنشيد الوطني، لذلك يجب إعادة بناء وهيكلة وتأهيل طلاب المدارس وإعادة الاعتبار لأهمية المدرسة في الحصول على المعرفة والحفاظ على هويتنا من خلال العديد من الأنشطة التي غابت عنها كزيارة الأماكن الأثرية، من دون إنكار أن الدور الكبير اليوم هو لوسائل التواصل الاجتماعي التي أصبحت المنبر الحقيقي للحصول على المعلومة، وهو أمر خطر ويتطلّب من الجهات المعنية القيام بواجبها في مواجهة التيار الجارف الذي يقوم بحرف بوصلتنا عن قيمنا وثوابتنا وهويتنا”.
وفي تعريفه للهوية يقول د. هاني الخوري: “الهوية تعني الصفات الجوهرية المميزة للفرد عن غيره، ومن أبرز الدوافع نحو تأكيد الهوية الوطنية والعربية ما يشهده عالم اليوم، وقد أصبحت العولمة الثقافية تباشر تأثيرها على الأجيال الجديدة من أبناء المجتمع، وصار من الواجب على مؤسّسات التربية والتعليم تحمّل مسؤولياتها لاستعادة التوازن المفقود والدفاع عن هويتنا وثقافتنا، لأن التعليم يشكل حجر الزاوية في تشكيل الهوية الثقافية وتعزيزها والحفاظ عليها لكل شعب من الشعوب، لذلك فإن الدول تتخذ التعليم كأداة أساسية لتربية أبنائها منذ الصغر على المبادئ والأفكار التي تشكل في النهاية الهوية الثقافية للمجتمع، وهنا أذكّر بما قاله الباحث سعد الدين إبراهيم عن دور التعليم في تدعيم الهوية: “من المفترض أن تقوم المدرسة بدور يُعتدّ به في بثّ وتنمية الوعي والهوية لدى الطفل العربي، ففي رحابها يتعلم الأطفال لغتهم العربية كتابةً وقراءة، ويكتشفون وظائفها التعبيرية، ولاسيما الأناشيد والقصص ودروس القراءة والمواد الاجتماعية التي تدعم الهوية”.
وفي الحديث عن العلاقة بين الانتماء والهوية يقول الخوري: “كلّ منهما يؤثر في الآخر ويتأثر به، فالإنسان عندما يعرف أن هويته ترتبط بهوية المجتمع الذي يوجد فيه فإن هذا يجعله يتمسّك ويرتبط بمجتمعه”.
وفي تعريفه للتربية يقول أ. عبد الحليم اليوسف: “هي عملية إعداد الأفراد في مجتمع معيّن وزمان ومكان معيّنين حتى يكتسبوا المهارات والقيم والاتجاهات وأنماط السلوك المختلفة التي تجعل منهم مواطنين صالحين في مجتمعهم، متكاتفين مع الجماعة التي يعيشون معها، أي أن التربية عملية تعلّم وتعليم لأنماط مختلفة من السلوك الإنساني”.
وعن التربية والإعلام يبيّن قائلاً: “ظلّت المدرسة المصدر الأول للمعرفة حتى بدايات القرن العشرين، وظلّ المعلمون هم المصدر الرئيس لتقديم المعرفة ونشر القيم إلى جانب المنزل، إلى أن برز الإعلام الذي أصبح الموجّه الأكبر والسلطة المؤثرة على القيم والتوجهات والممارسات في مختلف جوانب الحياة، فسيطر مسليّاً ومربيّاً ومعلّماً وموجّهاً، وهو الذي يظهر في كل يوم بوجه جديد، وفي كل فترة بأسلوب مبتكر، متجاوزاً حدود الزمان والمكان حتى أصبح يمتلك النصيب الأكبر في التنشئة الاجتماعية والتأثير بالصغار والكبار”.