الاقتصاد العالمي والسياسة الاقتصادية الترامبية؟
أ. د. حيان أحمد سلمان
تشهد الأسواق العالمية حالياً حالة عدم اليقين بعد انتخاب المرشّح الأمريكي (دونالد ترامب) لرئاسة أمريكا لمدة /4/ سنوات للفترة /2025-2029/ وهو الرئيس /47/ لأمريكا، ويترقب المحللون الاقتصاديون كيف ستنفّذ الإدارة الأمريكية خطط (ترامب) الاقتصادية، وكيف سيتمّ تطبيق الخطة الاقتصادية الترامبية بعد أن خبروه في دورته الأولى للفترة (2017-2021)؟، وهنا تجدر الإشارة إلى أن الانتخابات الأمريكية هذه هي الأكثر تكلفة في التاريخ الأمريكي، ويذكرنا انتخاب ترامب المهزوم في الانتخابات الماضية (2021-2025) بما حصل في أمريكا قبل /132/ سنة بانتخاب (جروفر كليفلاند) سنة /1892/؟، فماذا لو استمر ترامب في سياسته السابقة خلال ولايته الحالية؟، وكيف سيكون الاقتصاد الأمريكي وهو الأقوى عالمياً ومن ثم الاقتصاد العالمي؟، وكيف ستتأثر العلاقات الدولية كانعكاس مباشر لواقع العلاقات الاقتصادية؟.
وبدأنا نتلمّس ردود الفعل الاقتصادية من الدول الكبرى، فقد صرّح القادة الصينيون بأنهم مستعدون لمواجهة السياسة الترامبية الاقتصادية الجديدة ولديهم خبرة متراكمة من سياسته السابقة واستهدافه للمنتجات الصينية، وخاصة لشركات التكنولوجيا مثل شركة الاتصالات العملاقة (هواوي)، كما أكدت (وكالة بلوم بيرغ) أن تنفيذ الإدارة الامريكية لخطط ترامب سيؤدي إلى هزة اقتصادية كبيرة في الاقتصاد العالمي، وخاصة مع زيادة التعريفات الجمركية على المستوردات الأمريكية بنسبة /10%/ ومن المنتجات الصينية بحدود /60%/ وعلى الدول التي تتعامل خارج النظام المالي القائم على الدولار بنسبة /100%/ بهدف حماية الدولار الأمريكي الذي تراجع استخدامه مؤخراً في التبادلات التجارية الدولية، وهذا يتناقض مع قرارات منظمة التجارة العالمية WTO؟! ومقابل هذا تخفيض الضرائب على الشركات الأمريكية من /21%/ إلى /15%/ لتشجيعها وزيادة قدرتها التنافسية في السوقين الداخلية والخارجية.
وحسب وكالة (بلوم بيرغإيكونوميك) أن هذا سيؤدي إلى تراجع حصة التجارة الخارجية الأمريكية من /20%/ في أواخر العقد الأول من القرن الواحد والعشرين إلى /8،5%/ في السنوات الخمس القادمة، وسيؤثر سلباً على دول العالم، ولاسيما الدول المجاورة لأمريكا (كندا والمكسيك) بنسبة /2%/ من قيمة ناتجهما الإجمالي مستقبلاً، كما بدأ القادة الأوربيون يشعرون بالقلق الاقتصادي من جرّاء توجّه ترامب لإلزامهم بزيادة حصصهم من النفقات المخصّصة لدعم موازنة حلف (الناتو NATO) وبما يتناسب مع قيمة الناتج المحلي الإجمالي لكل دولة من دول الحلف، ولاسيما أنهم يشعرون بأن ترامب لا ينظر إليهم كشركاء، وقد يدفع هذا بعض الدول الأوربية للمطالبة بمزيد من الاستقلالية في العلاقات الاقتصادية والتوجّه شرقاً نحو (الصين وروسيا) وغيرهما، كما طالبهم أيضاً بزيادة الدول الأوربية من استيراد المنتجات الأمريكية وإلا فإنه سيفرض عقوبات عليهم بهدف زيادة قيمة الدولار أمام العملات الأخرى وخاصة (اليورو والايوان الصيني) وغيرهما؟!.
فأين حرية الأسواق ومبدأ (دعه يعمل دعه يمر) وهو جوهر تحرير التجارة الخارجية الليبرالية!، وهم يعرفون أن ترامب اعتمد سياسة اقتصادية أمريكية داخلية تحت شعار (أمريكا أولاً) وقال بصراحة [يجب أن نسترجع (جمع ثروتنا) من خلال زيادة صادراتنا وتقليل مستورداتنا، وبالتالي نتمكّن من تخفيض عجز ميزاننا التجاري]، وعبّر ترامب في حملته الانتخابية عن الكثير من التوجهات الاقتصادية ونذكر منها [إنهاء الحروب وتعزيز تنافسية الاقتصاد الأمريكي وزيادة معدل النمو الاقتصادي، ودعم البورصة وسوق الأسهم والبنية التحتية والعملات المشفرة بقيادة الملياردير (إيلون ماسك) أغنى أغنياء العالم ووعد بتعيينه مستشاراً له]، وسيترافق هذا مع دعم الابتكار وتخفيض الضرائب على الأفراد والشركات الأمريكية لزيادة أرباحهما، وتقليل معدلي التضخم والبطالة وتفعيل التوظيف للأمريكيين بتقليل عدد المهاجرين إلى أمريكا والتخلص من المهاجرين غير الشرعيين والاستعاضة عن الأجانب بالعمال الأمريكيين، وتخفيض الأسعار وخاصة للسلع الغذائية والمساكن والتي انخفضت مبيعاتها بشكل كبير لم تشهده السوق الأمريكية منذ /30/ سنة، وتعتبر سوق العقارات من أهم أعمدة السوق الامريكية، وأنه سيسعى لتخفيض عجز الموازنة السنوية الذي زاد في السنوات الأخيرة بشكل كبير ووصل إلى /1800/ مليار دولار، وأيضاً عجز الميزان التجاري لأكثر من /1100/ مليار دولار بسبب زيادة المستوردات وتراجع الصادرات والدين العام والذي وصل إلى /34000/ مليار دولار بما يعادل نسبة /131%/ من قيمة الناتج الإجمالي الأمريكي GDP البالغة قيمته لسنة /2023/ حوالي /26000/ مليار دولار تقريباً، والعالم يترقب كيف ستتعامل أمريكا مع الاتفاقيات الدولية مثل (اتفاقية المناخ والبيئة والتجارة عبر الأطلسي والنافتا مع (كندا والمكسيك) والمنظمات الدولية وقضية تايوان وحروب الشرق الأوسط وانسحاب القوات الامريكية من سورية.. إلخ، فهل ستستمر حالة الغموض على الاقتصاد والأسواق العالمية طويلاً؟ أم سيغيّر ترامب من سياسته الاقتصادية؟، هذا يتوقف على ميزان الربح الاقتصادي الأمريكي فقط لا غير، ومجريات الواقع تختلف عن الأحلام والأمنيات.