عبد الله تايه أول “أدباء غزة في دمشق”
أمينة عباس
تضامناً مع أدباء وكتّاب غزة الذين يخوضون حربهم، اليوم، ضد العدو، ورغبة منها في استحضار أسمائهم وتسليط الضوء على كتاباتهم لإيصال صوتهم ورسائلهم من غزة إلى دمشق، عقدت “أكاديمية دار الثقافة”، مؤخراً، ندوة حملت عنوان “أدباء غزة في دمشق” تحية لأرواح من استشهد منهم ولمن ما يزالون يناضلون تحت القصف ووسط الدمار لتوثيق الجرائم التي يرتكبها العدو بحقّ أهل غزة، ومنهم الأديب عبد الله تايه الذي اختارته الأكاديمية كنموذج حيّ، يقول د. حسن حميد مدير الأكاديمية: “ستحرص الأكاديمية خلال الفترة القادمة على إقامة العديد من الفعاليات لقراءة نتاجات أدباء وشعراء غزة، كذلك الوقوف مطولاً عند نتاجات من استشهد منهم خلال طوفان الأقصى وعند الفنانين والمثقفين منهم في دمشق المكان المرجع للقضية الفلسطينية، واختارت الأكاديمية في أولى ندواتها الأديب عبد الله تايه وهو من أكثر الكتّاب في مدوّنة السرد الفلسطينية أهميةً وواحد من الأسماء الأدبية المعروفة في الوطن العربي بسبب جمالية نصوصه القصصية والروائية التي كتبها وترجم بعضها للعديد من اللغات، وهو ابن مخيم جباليا وقد تخصّص بالكتابة عن المخيم واللجوء والتغيرات التي حدثت داخل القطاع بسبب الاحتلال الصهيوني، وهو صاحب رؤية سياسية، واعتمد في كتاباته على المرويات التاريخية لتكون مرجعية للحاضر والسلّم الذي يصعد عليه الأبناء والأجيال نحو المستقبل لأن القصص التي يكتبها أشبه بالوثائق التي تكاد أن تكون مشهدية كاملة عما حدث في قطاع غزة منذ العام 1967 حتى الآن”.
ويبيّن الناقد أحمد هلال الذي أدار الندوة: “للحديث عن أدباء غزة هنا في دمشق خصوصية ودلالة لهما من العمق الكثير، فكيف إذا كانت البداية مع عبد الله تايه الصوت الذي ما يزال شاهداً وسادن حبر ورؤيا ليحضر بسردياته في لحظة المقتلة وحرب الجوع والحرق الآدمي في غزة لترسم بوصلة المعنى وتشير برؤيتها إلى فلسطين كلها، حضارة الأرواح والمقاومة واستنبات الوطنية بحضور كاتبها اليومي والمتواصل في الحياة العامة كمثقف طليعي يسعى من خلال دوره الريادي الأدبي من أجل رفعة شأن وحضور الثقافة الوطنية الفلسطينية في معركة التحرير والعودة”.
تضمّنت الندوة قراءة لبعض القصص التي أرسلها عبد الله تايه وتناوب على قراءتها محمد أبو شريفة سكرتير تحرير مجلة “الهدف” والكاتب محمد حسين الذي قرأ قصة حملت عنوان “عين الكاميرا” تحدث فيها تايه عن أحد الصحفيين الفلسطينيين الذين استشهدوا أثناء العدوان على غزة من أجل إيصال صورته إلى العالم، يقول حسين: “القصة واقعية، وتايه أحد النماذج الفلسطينية التي تعيش في قطاع غزة، وما يميّزه أن كل ما يكتبه ينتمي إلى الأدب الواقعي والمقاوم الذي عاد بقوة بعد طوفان الأقصى، وهنا تكمن جمالية كتابات التايه الواقعية التي تتحدث بمجملها عن قطاع غزة وما يتعرّض له من عدوان ومجازر ودمار، وهذا يجعلنا نؤكد أن الكاتب يعيش الحدث الذي يكتب عنه وهو ما يجعل القارئ يعيشه بكل تفاصيله لأن ما يكتبه ليس خيالياً أو بعيداً عن الواقع المعاش”.
وعن قصة “صباح العيد في غزة” يحدثنا محمد أبو شريفة وهو الذي قرأها: “لفتني عنوان القصة بما يحمل من دلالات تتعلق بالفرح، فعلى الرغم من الأحداث وحرب الإبادة التي تتعرض لها غزة، لكن الأدباء ينحتون معاني الفرح والحياة في غزة، لأنهم مدركون أن العدو الصهيوني لا يكتفي بشنّ حرب عدوانية بالمعنى الحربي والسياسي فقط، فحربه تشمل أيضاً القضاء على معاني الفرح والحياة في غزة”، ويستطرد: “تايه من الأدباء الكبار، وله باع طويل في كتابة القصة والرواية والأدب بشكل عام، وتنتمي كتاباته إلى السهل الممتنع بأسلوبه البسيط والعميق في الوقت ذاته، وعلى صعيد المضمون فإن قصصه تلامس الحياة اليومية بمفرداتها”.
وفي رسالة متلفزة أطلّ عبد الله تايه على الحضور، فتحدث عن أحوال غزة ونزوح أهلها منها وتشتّت الكتّاب فيها والذين جمعتهم الخيام بعد تدمير بيوتهم، وكيف أن الوضع السيئ فيها لا يمنعهم من تداول شؤون الأدب، على الرغم من تأكيده أن القصف الذي تتعرض له غزة يتواصل ليل نهار، مع إشارته في الوقت ذاته إلى أنه بصدد إصدار كتابين في بيروت يتناول فيهما الأوضاع الجديدة في غزة.
يُذكر أن عبد الله تايه بدأ الكتابة منذ أوائل السبعينيات، يشغل منصب الأمين العام المساعد للاتحاد العام للكتّاب والأدباء، وفي رصيده عدد من الروايات، منها “الذين يبحثون عن الشمس” و”العربة والليل” و”التين الشوكي ينضج قريباً” و”وجوه في الماء الساخن”، وله مجموعات قصصية نذكر منها “من يدق الباب” و”الدوائر برتقالية” و”جنود لا يحبون الفراشات” و”ليلة السابع من ديسمبر”، ويعيش في مخيم جباليا للاجئين شمال قطاع غزّة، وأطلق مبادرة تأسيس “نادي القصّة الفلسطيني” من قطاع غزّة المحاصر، كما اختير شخصية العام الثقافية لعام 2022 لدوره الريادي والقيادي في العملِ والفعل الثقافي الوطني الفلسطيني وحضوره اليومي والدائم في الحياة العامّة الفلسطينية كمثقفٍ يسعى من خلال دوره الإبداعي الأدبي والوظيفي الثقافي من أجل رفعة شأن وحضور الثقافة الوطنية الفلسطينية”.