القانون المدماك.. وترسيخ مفهوم التاجر الحقيقي!
حسن النابلسي
من المفترض أن قانون حماية المستهلكK الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 8 لعام 2021، جاء كمدماك يَصدُّ كل من تسول له نفسه المتاجرة بقوت البلاد والعباد، ويَسدُّ الثغرات التي تتسلل منها الفوضى إلى الأسواق، وما تغليظ العقوبة في هذا القانون إلا حِكمة أُريد بها لجم ضعاف النفوس الذين استمرأوا العبث بالأسواق على حساب المستهلكين.
وفي وقت لا يخفى على أحد ما ينتاب الأسواق من فوضى تسعير هنا، واحتكار هناك، فضلاً عن بعض ممارسات الغش والتدليس، نستهجن حقيقةً اعتراض التجار على هذا القانون علماً أنه يستهدف العابثين، وليس المنضبطين، وأن الغاية منه بالمحصلة هو تعزيز مسارات ضبط الأسواق والنأي بها عن الفوضى وتجيير المصالح!
وإذا ما حاولنا اقتباس بعض ما تضمنه هذا القانون، فإننا لا نرى ضيراً بما تضمنته المادة 45، بمعاقبة كل بائع جملة أو نصف جملة أو مفرق أو مقدم خدمة، بالحبس سنة على الأقل، وبغرامة من ستمئة ألف ليرة سورية إلى مليون ليرة سورية، يعلن عن بيع مادة أو منتج أو سلعة أو عن تقديم خدمة بسعر أو ربح أعلى من السعر أو الربح المحدد. أو باع مادة أو منتجاً أو سلعة بسعر أعلى من السعر أو الربح المحددين، أو تقاضى زيادة عن بدل الخدمات المحدد من الوزير أو الوزير المختص. أو امتنع عن بيع مادة أو منتج أو سلعة أو تقديم خدمة بالسعر أو الربح المحددين لها. أو أخفى أو حجب مادة أو منتجاً أو سلعة. أو حاز أو باع مادة مجهولة المصدر.
كما أننا لا نرى إجحافاً بمضاعفة هذه العقوبة إذا كان الجرم متعلقاً بمادة أو سلعة أو خدمة أساسية.
إن هذه المادة من القانون بالذات قد أصابت الهدف سواء لجهة قمع الاحتكار، أم لجهة المتاجرة بالسلع والمواد الأساسية، ونعتقد أن من يقوم بمثل هذه المخالفات لا يعي أصول وأدبيات التجارة.. وربما لا نجانب الحقيقة إذا ما اعتبرناه “متاجراً”!
وإذا ما تطرقنا إلى المادة 53، لا نعتقد أن هناك من يخالفنا الرأي بما تضمنته من عقوبات كفيلة بردع مثل هؤلاء “المتاجرين”، إذ تضمنت هذه المادة عقوبة الحبس سنة على الأقل وبغرامة قدرها خمسة ملايين ليرة سورية، لكل من يغش أو يشرع بغش شيء من أغذية الإنسان أو الحيوان أو الحاصلات الزراعية أو المنتجات الطبيعية متى كان معداً للبيع، وكل من طرح أو عرض للبيع أو باع شيئاً من هذه المواد أو الحاصلات مع علمه بغشها أو فسادها، ويعد المخالف عالماً بالغش أو الفساد إذا كان من المشتغلين في صناعتها أو التجارة بها. ويعاقب أيضاً كل من طرح أو عرض للبيع أو باع مواد بقصد غش أغذية الإنسان أو الحيوان أو الحاصلات الزراعية أو المنتجات الطبيعية. وبالتالي لا ننكر أبداً تشديد هذه العقوبة المنصوص إلى الحبس سنتين على الأقل وغرامة قدرها عشرة ملايين ليرة سورية، وتغلق المنشأة أو المحل لمدة لا تتجاوز ستة أشهر، إذا كانت المواد أو العقاقير أو الحاصلات المغشوشة فاسدة، أو كانت المواد التي تستعمل في الغش حسب الأفعال الجرمية الضارة بصحة الإنسان أو كانت سامة أو غير مطابقة لمتطلبات الصحة والسلامة العامة..!
أخيراً.. فإننا لا نجد ضيراً باستمرار هذه العقوبات التي – من حيث المبدأ – لا تمسّ أي تاجر ملتزم، لا بل أنها قد تساهم إلى حد كبير بترسيخ المفهوم الحقيقي للتاجر المدرك لأصول التجارة والملتزم بأدبياتها، خاصة وأن التاجر السوري لديه من العراقة الضاربة بالقدم ما تجعله يقف إلى جانب وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك كشريك حقيقي بضبط الأسواق وأسعارها!