“جمال الوجود” والإنشاد بتمازج إيقاعي
ملده شويكاني
يا جمال الوجود
طاب فيك الشهود والبرايا رقود
إن عيني تراك
ما لقلبي سواك
ذاب كلي عليك
وانتسابي إليك والورى في يديك
يا جمال الوجود للمنشد الشيخ عبد الغني النابلسي، بمرافقة الناي والضربات الإيقاعية وخاصة الدف في الأمسية الصوفية، التي قدمتها فرقة الرسالة للإنشاد الديني والتراث بصوت عمر ديراني ونور الدين سحلول بعنوان “جمال الوجود” في دار الأوبرا بحضور علماء دين وشخصيات رسمية وحشد كبير، من دمشق التي تعدّ رائدة الإنشاد الديني في العالم العربي، كما صنّفها العلماء، وتتميّز بطرائقها التي حافظت على خصوصيتها بتواتر المنشدين بأصواتهم الجميلة منذ القدم حتى الآن، وتعدّ “فرقة الرسالة” ممثلة بمديرها المنشد عمر ديراني من أكثر الفرق شهرة في مجال الإنشاد الديني.
وزادت الأمسية تألقاً بحضور الناي الآلة الأقرب إلى الصوفية بحضور العازف ومصنع الناي زياد قاضي أمين، فكان له الدور الأول بالصولو والمرافقة الغنائية مع الكورال وفرقة المولوية، وبمرافقة الفرقة الموسيقية المؤلفة من الآلات الإيقاعيات المنوعة بإشراف المدير الفني وضارب الإيقاع أحمد ديراني.
وأنشد كل من عمر ديراني ونور الدين سحلول بالتناوب بين مقاطع النصوص الإنشادية لأجمل القصائد والأناشيد المتصفة بقوة الألفاظ وعمق المعاني، تناغمت مع رقة ألحان الناي والمتتاليات الإيقاعية في مواضع مع دور الإيقاعيات كخط مرافق، بالإضافة إلى الأناشيد المألوفة.
واتخذت الأمسية طابع الإنشاد الهادئ في مواضع، وتصاعد وتيرة الإيقاع في أخرى مع ترديد لفظ الجلالة الله، والآهات ومولانا والصلاة على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، كما تناغمت رقصات المولوية مع الغناء.
أما الخلفية السينمائية فكانت لوحة لمنمنمات حول عنوان الأمسية والعناوين، ولم يغب ذكر الشيخ محي الدين بن عربي وسلطان العاشقين ابن الفارض.
قدّم الحفل الإعلامي صلاح الدين الأيوبي، وكان له دور بالفواصل بالتمهيد للفقرات والتواصل مع الجمهور.
وقسم البرنامج إلى وصلات اختيرت من المقام ذاته، فمن مقام بيات حسيني، منها “يا ساقي الندمان” إلى النهاوند التي تضمنت أنشودة “يا جمال الوجود”، وحوارية “دارت كؤوس الغرام” بالغناء الجماعي والثنائي والمنفرد مع دور الناي، وتميّزت بتدرجات مفردة “يا كرام” بالغناء المنفرد:
دارت كؤوس الغرام
مابين الموالي
فزادتهم الغرام
مابين الموالي
قلتُ لهم يا كرام
هل ترضوا بحالي
فقالوا لي يا غلام
إذا كنت خالي
وبعدها وصلة من مقام رست، منها “جودوا بالوصال”، إلى وصلة حجاز، منها “أقبل الساقي” وغيرها.
وتخلل الأمسية فاصل لعرض إيقاعي بإشراف ضارب الإيقاع المشرف الفني أحمد ديراني، فبدأ بصولو منفرد، مستخدماً آلات إيقاعية عدة، ومن ثم تابعت الفرقة الإيقاعية حوارية ثنائية بالتناوب معه إلى الجماعي بمرافقة المولوية.
كما تخللت الأمسية خاطرتان ضمن فقرة سردية، ألقى الأولى محمد باسم ممدوح المغربي وتضمنت تحليلاً لمعنى الحب الصوفي والوجداني، مبتدئاً من حبّ الله بقوله “يحبهم ويحبونه” إلى أن يصل إلى “وأما في فقه الحبّ، قالوا: هل للحب رائحة؟ نعم: هو ذاك العبق الذي وجده سيدنا يعقوب عليه السلام في قميص سيدنا يوسف، فارتد إليه بصره. وتابع:
وحامل الحب لا تخفى دلائله
كحامل المسك لا يخلو من العبق
أما الخاطرة الثانية، فكانت قصيدة لسلطان العاشقين ابن الفارض ألقاها بصوته الرخيم محمد عبد القادر المدني:
شربنا على ذكر الحبيب مدامة
سكرنا بها من قبل أن يُخلق الكرم
لها البدر كأس وهي شمس يديرها
هلال وكم يبدو إذا مُزجت نجم
وكانت أوبريت سيرة الحبيب صلى الله عليه وسلم من مقام كرد ضمن فقرات البرنامج من أجمل ما قدمته الفرقة بصوتي عمر ديراني ونور الدين سحلول باللهجة المصرية، بدأت بالآهات وضربات الإيقاع الخفيفة، ومن ثم تصاعدت الألحان بوتيرة جميلة لضربات الإيقاع المتناغمة مع امتدادات الصوت “يا رسول الله ياطه، يا نبينا الكريم”.
أما وصلة الاختتام فكانت الأقرب إلى الجمهور والأكثر تفاعلاً لكونها من الأناشيد المألوفة والمكررة في الاحتفالات بذكرى المولد النبوي الشريف وبالأفراح المتميزة بالضربات الإيقاعية المتداخلة وبحركة راقصة نشطة مع نغمات الناي المتدرجة، وقدمتها الفرقة بطريقة جميلة جداً من مقام سيكاه، منها “يا حمام المدينة سلم على نبينا”، ثم أنشودة “المسك فاح” وغيرها.
واختتمت الأمسية بكلمة مختصرة عن جمال الوجود للشيخ أنس ياسين شموط، وتفاعل جمهور الأوبرا بالإنصات إلى جمال الكلام والصوت، وتباينت الآراء، فبعض الحاضرين رأى أن الإنشاد الديني له خصوصية بالارتباط بالدف والإيقاعيات الشرقية، في حين أثنى آخرون على التمازج الإيقاعي بغية تطوير الإنشاد الديني.
وقبيل الأمسية، تحدث مدير فرقة الرسالة للإنشاد الديني والتراث المنشد عمر ديراني عن تاريخ الفرقة التي “نشأت من مجالس الإنشاد الصوفي في دمشق، وهذه المجالس تخاطب الإنسان والروح بتواصل بين الخالق عزّ وجلّ والمخلوق، وتأسست في عام 2005، وقدمت أمسيات داخل سورية وخارجها، وشاركت بمهرجانات في سورية ولبنان والأردن والمغرب، والنقلة كانت في عام 2018، إذ بدأت الفرقة بتقديم أمسياتها المتتابعة سنوياً في دار الأوبرا، ونحن نشتغل على تفاصيل كثيرة لنقدم الإنشاد الصوفي بأجمل حلة إنشاداً وإيقاعاً، وكل أمسية كانت تحمل شيئاً جديداً، إذ اشتغلنا على المشهد البصري بالغرافيك، واليوم نطور هذه المشهدية من حيث الأداء والصيغة الإيقاعية المتطورة، لكون الإيقاع أساسياً بالإنشاد الصوفي، وأدخلنا آلة الناي.
وأشاد بدور المنشد السوري في أي بلد لكون الإنشاد الصوفي متأصلاً في سورية ودمشق تحديداً.
وتابع المشرف الفني وضارب الإيقاع أحمد ديراني: “تخاطب هذه الأمسية الصوفية جميع الشرائح والفنون، ومنوّعة بالمقامات والإيقاعيات، بمشاركة الدف والرق والكاتم والكونغا وغيرها مع ستة عشر عازفاً، وتتضمن جملاً إيقاعية تركية وفارسية وإفريقية وشرقية وعربية وغربية، وأضاف الناي اللمسة الصوفية بالمشاركة الأولى للعازف زياد قاضي أمين مع فرقة الرسالة”، مشيراً إلى أن “أوبريت الحبيب سجلته الفنانة وردة في أواخر الثمانينيات، وأعادت الفرقة تسجيله باستديو محمد صالحاني”.