ثقافةصحيفة البعث

“حكاية أبو نزهة” مسرح من بسطات الكتب ونبض الشارع

حمص- آصف إبراهيم

بعد عرضه الأخير “خريف البنفسج” الذي قدّمه العام الماضي على خشبة مسرح ثقافة حمص، يعود المسرحي تمام العواني إلى الخشبة ذاتها في عرضه الجديد “حكاية أبو نزهة”، تأليفه وإخراجه وتمثيله إلى جانب مجموعة من الهواة، منهم محمد خير الكيلاني، وسعيد العدوي، ويارا العلي، وجهاد شرف لي، وبإشراف مديرية المسارح والموسيقا- مسرح قومي حمص.
ويعدّ الفنان المسرحي تمام العواني أحد أبرز الوجوه المسرحية في حمص الذين يشتغلون على المسرح كمرآة للواقع، لا كمجرد حراك ثقافي وتنظير في الوعي والإدراك، فهو يقتفي، إلى حدّ ما، نهج المسرحي العتيق فرحان بلبل الذي حمل هم الإنسان السوري وتبنى الإضاءة على معاناته، من خلال مسرح جماهيري بالدرجة الأولى وليس نخبوياً كما يحلو للبعض ممن يسعى إلى تأطيره وفق تصنيف فوقي اصطفافي، لكن العواني المعروف عنه ولعه بالمونودراما واجتهاده الدائم على تطويع هذا النوع من الدراما المسرحية الصعبة لملاءمة الذوق الجماهيري، نجده اليوم في عرض “حكاية أبو نزهة” يخرج من أسر المونودراما، مع بقائه أسير هواجس الناس الواقعية، متبنياً قضاياهم، وحاملاً همومهم الآنية، بحب وصدق.

ويأخذنا العواني، في عرضه هذا، إلى مطارح مؤلمة، تثير فينا الكثير من مشاعر الأسى من دون السماح للإحباط بالتغلغل إلى أعماق نفوسنا، ويلتقط حكاية من نبض الشارع، هي حكاية بسطات الكتب تحت الجسر التي أثارت جدالاً وردود أفعال وسط الرأي العام، مؤخراً، ولاسيما المثقفين منهم، بعد إزالتها عنوة من قبل المحافظة بحجة تشويه معالم المكان، ليروي لنا حكاية أحد أشهر باعة الكتب في مدينة حمص الموسوم بـ”أبو نزهة” وهو ممدوح الحزوري الذي اعتاد بيع الكتب على أحد الأرصفة وسط المدينة، وأصبح معروفاً من قبل سكانها ومثقفيها وطلابها، يقصدونه لشراء الكتب المستعملة والملخصات الجامعية بأسعار أقل من المكتبات، لكنه وبعد حوالي ثلاثين عاماً من بيع الكتب على الرصيف يجد نفسه مهدّداً بضرورة إخلاء المكان بذريعة تشويه المنظر السياحي للمدينة، وهكذا تقتلع بسطة كتب أبي نزهة من دون أن تنفع توسلاته ومناجاته للمسؤولين في الوسط الثقافي والبلدية والمحافظة في إعادته إلى بسطته، على الرغم من أنه كان يدفع “الإكراميات” ليتمكّن من لقاء هؤلاء المسؤولين، لكن محاولاته التي أخذت من عمره أياماً وليالي باءت بالفشل، وخصوصاً بعد أن وصله كتاب بضرورة مراجعة الجهات المتخصّصة التي تنذره بعدم طرح فكرة العودة مرة أخرى على أي جهة تذكر، فيقترح عليه أحد الأصدقاء استخدام عربة والده الجوالة لبيع الكتب وألعاب الأطفال في الأحياء والشوارع، لكن محاولاته تبوء بالفشل أيضاً، لتغيّر عادات الناس الشرائية، فيدخل الحزن قلبه ويعتريه اليأس والإحباط لتبقى حكايته راسخة في الذاكرة الشعبية الحمصية سنين طويلة بعد موته.

يسلط العرض الضوء على قيمة الكتاب وأهمية ما يُسمّى بـ”مكتبات الأرصفة” التي باتت تشكل معلماً مميزاً في كثير من بلدان العالم لكونها تستقطب رواد الأدب والمثقفين والمهتمين بالقراءة، ولاسيما من ذوي الدخل المحدود، ويلجأ العواني فيه إلى أسلوب الكوميديا السوداء والتهكم بلغة مسرحية بسيطة وعفوية تتواءم مع ملامح وسمات النص الذي ينجح في تطويعه ضمن مقاربات واقعية مقنعة، يبتعد فيها عن المبالغة والتهويل والبهرجة المسرحية الدرامية الفضفاضة، ويركز بشكل أساسي على الحوار وثبات الإيقاع الدرامي لشدّ المتلقي، مستعيناً بالمؤثرات الصوتية والإضاءة لخلق حالة من التشويق وإثارة الانفعالات لشدّ المتلقي وكسب تعاطفه مع الحكاية بأسلوب رشيق وممتع.