دراساتصحيفة البعث

من يجبر “إسرائيل” على الامتثال للقوانين الأمريكية والدولية؟

سمر سامي السمارة

مع انقضاء الموعد النهائي الذي حددته إدارة بايدن الشهر الماضي “لإسرائيل” لتحسين الوضع الإنساني، والسماح بدخول المزيد من المساعدات الإنسانية إلى غزة يوم أمس الثلاثاء، طالبت المجموعات التي تُعنى بحقوق الإنسان، الولايات المتحدة الالتزام بتعهدها ومحاسبة حكومة الكيان الصهيوني على حملة التطهير العرقي المستمرة في القطاع المحاصر، لكن رفض البيت الأبيض على مدى الأشهر الثلاثة عشر الماضية إتباع القانون الأمريكي والدولي، أثار الشكوك في أنه سينفذ التزاماته.

في 13 تشرين الأول الماضي، بعث كل من وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، ووزير الدفاع لويد أوستن برسالة إلى حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أعطيا فيها “إسرائيل” 30 يوماً للسماح بدخول ما لا يقل عن 350 شاحنة مساعدات إنسانية يومياً إلى غزة، وفتح معبر خامس إلى القطاع المحاصر، وضمان وصول مجموعات الإغاثة إلى شمال غزة، من بين خطوات محددة أخرى موضّحة في الرسالة.

على الرغم من أن عدم الامتثال من شأنه أن ينتهك مذكرة الأمن القومي رقم 20، التي أصدرها الرئيس السابق جو بايدن في شباط للمطالبة بضمانات موثوقة من “إسرائيل”  المتعلقة بالتزامها بالقانون الدولي، والمادة 620 من قانون المساعدات الخارجية، الذي يحظر على الولايات المتحدة تقديم مساعدات عسكرية للدول التي تمنع المساعدات الإنسانية الأميركية، أكد المدافعون عن حقوق الإنسان أن “إسرائيل” والولايات المتحدة تنتهكان كلا النظامين، حيث أظهرت الأدلة المتزايدة استخدام أسلحة أميركية في الهجمات الإسرائيلية على المدنيين، كما حذر خبراء الأمم المتحدة من أن الأوضاع في غزة تجاوزت عتبة المجاعة.

ومن غزة وصفت لويز ووتريدغ المتحدثة باسم وكالة إغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين (الأونـروا)، أن الوضع في شمال القطاع أصبح كارثياً، مشيرةً إلى المجاعة الوشيكة في شمال غزة والتحديات المرتبطة باقتراب فصل الشتاء.

قالت ووتريدغ، إن أماكن الإيواء غير كافية على الإطلاق لحماية الناس من العوامل الجوية، و أن تحذير إدارة بايدن قبل 30 يوماً لم يحسن الظروف في غزة، حيث وصل دخول المساعدات إلى القطاع إلى أقل مستوياته منذ شهور.

كانت ووتريدغ تتحدث إلى الصحفيين في جنيف عبر الفيديو من وسط غزة، مؤكدةً أن الآلاف من الأبرياء تم قتلهم بلا سبب، وأن هؤلاء الأبرياء لقوا حتفهم بسبب نقص المساعدات، واستمرار سقوط القذائف من الجانب الإسرائيلي، وعدم التمكن حتى من الوصول إليهم تحت الأنقاض، مؤكدة|ً أن الناس يستخدمون أي شيء يجدونه – سواء ستائر أو بطانيات أو ملاءات – ليحتموا به، مشددةً على أن كل ذلك ليس مضاداً للماء، حيث ينام الناس على الأرض وتحيط مياه الصرف الصحي بأماكن الإيواء، وأنه عندما تهطل الأمطار في قطاع غزة يصبح الوضع أكثر صعوبة، حيث أن قرابة 500 ألف شخص يعيشون في مناطق معرضة للفيضانات، وهم ينامون على الأرض، ولا يجدون ملجأ للاحتماء به.

وأوضحت المتحدثة باسم وكالة الأونروا، أن دخول المساعدات إلى قطاع غزة وصل إلى أقل مستوياته منذ شهور، متحدثةً عن القصف المتواصل، وقتل المدنيين مع عدم وجود مكان آمن في غزة، مشيرةً إلى وجود تحديث من التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي، الذي أفاد بأن المجاعة وشيكة إن لم تكن قد حدثت بالفعل في الشمال المحاصر، حيث يتوسل المدنيون للحصول على كسرة خبز أو ماء، يُرفض دخول الأمم المتحدة إلى المنطقة.

وأشارت ووتريدغ إلى أن الوصول الإنساني إلى المناطق المحاصرة في الشمال لا يزال محدوداً للغاية منذ أكثر من شهر، وقالت إن نحو 1.7 مليون شخص بأنحاء غزة -80% من السكان- لم يتلقوا حصصهم الغذائية الشهرية خلال شهر تشرين الأول، وذكرت أن سوء التغذية الحاد زاد بمقدار 10 مرات عما كان عليه قبل الحرب.

في السياق، قال مسؤولون في الأمم المتحدة مؤخراً، إن عمال الإغاثة لم يتمكنوا من توصيل الإغاثة حتى بعد أن أعطت قوات الاحتلال الإسرائيلية موافقتها على التسليم في شمال غزة، الذي تم قطعه عن كل المساعدات تقريباً لأكثر من شهر، وقد قيدت القوات الإسرائيلية الموجودة وصول المساعدات.

وفقاً لوكالة أسوشيتد برس، كانت مئات الشاحنات التي تحمل المساعدات في جنوب غزة متوقفة على جانب القطاع من الحدود مع مصر، بسبب الفوضى والسرقة والقيود العسكرية الإسرائيلية التي منعت عمال الأمم المتحدة من الوصول إليها.

مع مرور الموعد النهائي يوم الثلاثاء، أصدر تحالف من المجموعات التي تُعنى بحقوق الإنسان بما في ذلك أوكسفام ومنظمة اللاجئين الدولية ومنظمة إنقاذ الطفولة تقيماً للتقدم الذي أحرزته “إسرائيل” في الامتثال للشروط التي حددها بلينكن وأوستن في 13 تشرين الأول، حيث أكد التحالف أن “إسرائيل” فشلت في تلبية 15 من أصل 19 تدبيراً للامتثال، كما أنها لم تسمح بدخول 350 شاحنة مساعدات إلى غزة خلال الشهر الماضي، ولم تنهي عزلة شمال غزة، ولم تسمح للجنة الدولية للصليب الأحمر بالوصول إلى الفلسطينيين المحتجزين داخل السجون الإسرائيلية، من بين متطلبات أخرى حددتها الشهر الماضي.

بدورها، قالت الرئيسة والمديرة التنفيذية لمنظمة أوكسفام أميركا آبي ماكسمان: “لقد وضعت حكومة الولايات المتحدة مرة أخرى تدابير أساسية لكيفية التزام الحكومة  الإسرائيلية بالقانون الدولي والسماح بتسليم المساعدات في غزة، ومنذ ذلك الحين، رأينا القوات الإسرائيلية تسارع في جهودها لقصف وإخلاء وحرمان ومحو السكان الفلسطينيين في محافظة شمال غزة، إننا نشهد حملة تطهير عرقي”. وأضافت ماكسمان: إن منظمة أوكسفام والمنظمات الشريكة غير قادرة على تقديم أي دعم للمدنيين المتبقين في محافظة شمال غزة، حيث يموت الناس كل يوم، كما أن الوصول إلى بقية غزة مقيد بشدة، ومع مواجهة المدنيين المجاعة والعنف المستمر، يتعين على الولايات المتحدة أن تطالب أخيراً بتعليق مبيعات الأسلحة القاتلة إلى “إسرائيل”، أو أن تكون متواطئة في الفظائع المروعة التي تتكشف أمام أعيننا.

بدورها، قالت الرئيسة والمديرة التنفيذية لمنظمة كير ميش يل نان، إنه من خلال الرسالة المرسلة إلى حكومة نتنياهو الشهر الماضي، خلقت الولايات المتحدة فرصة حاسمة للرد على الحقائق على الأرض، والإصرار على المساءلة بموجب قوانيننا الخاصة، مضيفةً أنه من الضروري أن نتحرك الآن لمنع المزيد من الخسائر في الأرواح البريئة، وتعميق الأزمة الإنسانية غير العادية، والاستمرار في تآكل مصداقية الولايات المتحدة كداعم للقانون الإنساني الدولي. وأضاف رئيس منظمة اللاجئين الدولية جيريمي كونينديك أن التحليل يؤكد أن الحكومة الإسرائيلية تنتهك التزاماتها بموجب القانون الأمريكي والدولي لتسهيل الإغاثة الإنسانية للفلسطينيين المعانين في غزة، مضيفاً أنه في ظل توقعات الخبراء مرة أخرى بحدوث مجاعة وشيكة في شمال غزة، فليس هناك وقت نضيعه، ويتعين على الولايات المتحدة أن تفرض قيوداً فورية على التعاون الأمني مع “إسرائيل” كما هو مطلوب بموجب المادة 620من قانون المساعدات الخارجية.