عوالم متعدّدة وقادرة
بشار محي الدين المحمد
يدرك العالم بأسره اليوم، بما فيه دعاة الميكافيلية السياسية، أن الرهان على أمريكا و”إسرائيل” كان خاسراً، وذلك عبر مؤشرات عديدة، حيث شهدنا في المنطقة العربية المقاومة في غزة ولبنان والعراق واليمن تحارب الحلف الأنغلوساكسوني بأكمله، رغم أنه يشنّ عليها حرباً لا سابق لوحشيتها عبر التاريخ، فيما يتابع هذا الحلف استغلال الفترة الانتقالية في واشنطن لتحقيق بعض من أحلام يقظته بتوسيع الحرب في المنطقة قبل تنصيب الإدارة الجديدة، التي لا تمثّل صعود الجمهوريين، بل صعود “الترامبية” إلى سدة الحكم، في عودة إلى ما يشبه صراعاً داخل الولايات المتحدة بين “لوبي العولمة وحكم الشركات” بعد فشلها السابق على مدار فترة حكم ترامب الأولى في تحقيق أي من أهدافها في إعادة هيكلة هذه “الإمبراطورية” التي تنفق مقدراتها وضرائب مواطنيها على الحروب حول العالم، خدمةً لمصالح تلك الشركات وفق مبدأ “تجارة السلاح أولاً”، بدلاً من “أمريكا أولاً”.
اليوم من الصائب أن تنطلق الإدارة الأمريكية في ظل تطورات العالم من أنها أصبحت شريكاً لا قطباً أوحد، وأن تتخلي عن “أمركة العالم” نحو التبادل الاقتصادي لتحسين وضعها داخلياً وخارجياً بعد طول نهب للشعوب، وطبع للدولار بلا رصيد، وتجريد دول عديدة من أي ضمانات دولية، كما يجدر أن تدرك هذه الإدارة أن “إسرائيل” باتت “عبئاً ثقيلاً”، كما قال بترايوس.
على المقلب الآخر، نلحظ قمة “قازان” وما سبقها في شنغهاي وغيرها من كيانات الأقطاب الصاعدة تبشّر بعملة “بريكس”، وبروز بنك التنمية وارتفاع حجم التبادل التجاري والنواتج محلية للأعضاء، بدلاً من صندوق النقد الدولي والدولار، ومن اقتصاديات أوروبا والسبعة الكبار، وسط تهاوٍ لسندات الخزينة الأمريكية بعد التخلي التدريجي عنها حتى من أعز الحلفاء.
وعلى صعيد المنطقة، شهدنا تطورات كبيرة كُلّلت بالقمة العربية الإسلامية الطارئة التي عكست مقدار التفلّت والتحدي للسطوة الغربية، نحو تعزيز العلاقات البينية، وتأكيد العجز الأمريكي عن توظيف أموال أو قدرات العرب في حروب تشنّ على المنطقة وشعوبها، فضلاً عن مؤشرات تعزّز تأكيد المنحى السلمي على أرض الواقع، مثل المناورة السعودية الإيرانية، فالمنطقة اليوم بغنىً عن العالم الأنغلوساكسوني و”الحمائية”.
إن المطلوب الآن هو التعاضد والإمساك بزمام المبادرة، وعدم تسليمه للصهاينة الذي يعيشون آخر حروبهم، متجهين نحو مزيد من القتل والتدمير غير المسبوقين، وآملين ألّا تنتهي الحرب أو تتوقف لأن توقفها يعني نهايتهم لأنهم “كلهم يعملون بعقل إيديولوجي واحد، عقل مريض بسفك الدماء، مريض بوهم التفوق، مصاب بانفصام الشخصية بين كره النازية ظاهرياً وعشقها كجزء عضوي منه واقعياً”، وفق ما قاله الرئيس الأسد في القمة العربية الإسلامية غير العادية.