دراساتصحيفة البعث

الترامبية.. مخاوف وتحديات

ريا خوري

عندما ظهرت نتيجة الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الأمريكية، وتمّ الإعلان عن فوز الرئيس السابق دونالد ترامب، بدأ العالم من جديد في إعادة ترتيب سياساته وقراءاته الجديدة لمجريات السياسة العالمية، فهذه المرة سيعود ترامب إلى البيت الأبيض حاملاً معه العديد من المشاريع الداخلية والعالمية، حيث اختلف  العالم كثيراً عما كان عليه قبل أربع سنوات حين جرت إزاحة الرئيس ترامب من البيت الأبيض في انتخابات (2020).

اليوم يتمّ طرح العديد من التساؤلات الحرجة على دول الإقليم ودول العالم عن حدود التغيير والتحوّل المتوقع في سياسات الولايات المتحدة، فدول الاتحاد الأوروبي ينتظرون القادم من مواقف ترامب وتحديداً حالة التقلبات والتحولات الجوهرية النوعية في الحرب الساخنة في أوكرانيا، واستحقاقات وتبعات ما ستخلفه الولايات المتحدة الأمريكية تجاه حلف شمال الأطلسي (الناتو) بعد أن تتخلّى عن حماية أوروبا، وما هي حالة الأمن الاستراتيجي الأوروبي، وطبيعة علاقة الولايات المتحدة مع أوروبا؟.

وفي سياق كهذا لم ننسَ دعوة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لتشكيل قوة دفاع مشترك أوروبية تعتمد على ضمان الدفاع عن نفسها، وضمان أمنها الاستراتيجي. تلك الدعوة لم تكن مستحدثة بالنسبة لتوجهاته السياسية بعد صعود ترامب مجدداً، ودخوله إلى البيت الأبيض، فقد تبناها وألحَّ عليها أثناء فترته الرئاسية الأولى من 2016- 2020، حيث كان يضغط ترامب بشدَّة على بلدان حلف شمال الأطلسي (الناتو) لكى تزيد من نسبة مساهمتها في ميزانية الحلف، وإلّا فإنَّ الولايات المتحدة لن تدافع عنها، بل ستتركها فريسة أمام الدب الروسي.

أما في الحالة الأوكرانية، فقد دعا ترامب غير مرة في أثناء حملته الانتخابية إلى عواقب الحرب في أوكرانيا، مؤكداً أن تلك الحرب يجب أن تتوقف بعد تفاهم منفرد مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، من دون أخذ مخاوف الدول الأوروبية في الاعتبار. كما كان تأثير هذا الموقف سلبياً للغاية بالنسبة إلى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الذي دعا إلى (السلام من خلال القوة)، كان ذلك تعبيراً ملتبساً يعكس مدى قلقه الشديد من أيّة تحوّلات دراماتيكية مفاجئة عسكرياً وأمنياً وسياسياً على المسرح الأوكراني.

من جهتهم لم يتردّد القادة الأوروبيون الآخرون عن التعبير بأسلوب آخر عن حالات القلق المسيطرة عليهم، خاصة وأنّ ترامب تعهّد بإنهاء الحرب في أوكرانيا بمجرد التواصل مع الرئيس بوتين. وعليه فإن قضية الحرب الأوكرانية تتعلق بشكل أساسي في مستقبل النظام الدولي الذي يعاني من اهتزازات بنيوية بتأثير أكبر حربين متزامنتين واحدة في الشرق الأوسط والأخرى في أوروبا.

لقد استثمر ترامب فشل جو بايدن ونجح في الفوز بأريحية وسهولة لم تكن متوقعة، حيث كسب إلى صفه مجموعات عريضة وواسعة من الأمريكيين السود على الرغم من سجله السلبي تجاههم، كما نجح في اجتذاب كتل، ومجموعات سكانية محافظة خارج نطاق حزبه الجمهوري، أقلقها تركيز منافسته على الحريات الجسدية بمن فيهم الجاليات العربية والمسلمة. كانت المفارقة الكبيرة والأفدح هي توزع الصوت العربي والإسلامي بين المرشحين ترامب وكمالا هاريس بذريعتين مختلفتين، أحدهما بالتصويت العقابي ضد إدارة بايدن ونائبته هاريس لدورهما في الحرب على غزة والتواطؤ الكامل بحرب الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني. وثانيهما، بالرهان على أن يلتزم ترامب بوعده الانتخابي، الذي أطلقه بولاية ميشيغان المتأرجحة، بإنهاء الحرب الدائرة في قطاع غزة ولبنان، فهل يفعلها؟.