بعد مسيرة متميزة.. أربعة عروض مكررة في “مهرجان حمص المسرحي”
حمص- آصف إبراهيم
بأربعة عروض مسرحية مكرّرة تنطلق فعاليات “مهرجان حمص المسرحي” الخامس والعشرين، الذي تقيمه نقابة الفنانين- فرع حمص، بالتعاون مع مديرية الثقافة ودائرة المسرح القومي خلال الفترة ما بين 17 إلى 20 تشرين الثاني الجاري.
وتشهد دورة هذا العام تراجعاً كبيراً قياساً بدورات المهرجان السابقة، وخاصة الدورة الرابعة والعشرين الماضية التي شاركت فيها تسعة عروض مسرحية من مدينة حمص وعدد من المحافظات الأخرى، لكن المشاركة هذا العام تقتصر على أربعة عروض فقط وجميعها من المحافظة، لنستشفّ من ذلك حالة تراجع وعجز، وكأن انعقاد دورة المهرجان الجديدة هي لذرّ الرماد في العيون والتمثيل على المسرح أنه ما يزال بخير وبأفضل حالاته، الوضع الذي يعكس حالة تلاشٍ واحتضار يعيشها أعرق فن عرفته البشرية، ولاسيما أن العروض المشاركة الآن جميعها قديمة وعرضت على خشبة مسرح دار الثقافة أكثر من مرة، وإعادة عرضها جماهيرياً، الآن لا يضيف قيمة فنية ومعنوية تذكر للمسرح وعشاقه.
ونذكر من العروض المشاركة “المحرقة” لفرقة فرع حمص لنقابة الفنانين وهي من تأليف وإخراج زيناتي قدسية الأكثر غزارة مسرحية، وتمثيل قدسية وحسين عزب،وكان سبق لـ”المحرقة” أن شاركت في “مهرجان الماغوط المسرحي” بحماة الشهر الماضي، وتأتي حكايته امتداداً لشخصية جحا التي قدّمها في عرضه السابق ويوجّه من خلاله انتقاداً لاذعاً للواقع العربي بكل تناقضاته عبر إسقاطات تاريخية على الراهن وتلخيص لما يحدث للإنسان مذ كان في الكهوف حتى الوقت الحالي.
وهناك عرض “نهاية اللعبة” لفرع حمص لنقابة الفنانين أيضاً، وكان قد عُرض في اختتام احتفالية فناني حمص بيوم المسرح العالمي عام ٣٠٢٢، من إعداد وإخراج وتمثيل جواد عكلا مع أفرام دافيد، عن نص “صموئيل بيكت”، وفيه يختصر عكلا شخوص المسرحية الأربعة إلى الشخصيتين الرئيسيتين “هام” و”كلوف” اللتين حملتا عبثية “بكيت” الوجودية التي طرحت جدوى الوجود وسط هذا الخراب الذي نعيشه، وهو مجرد تراجيديا أقرب إلى المسرح الشعري، تعبّر عن قلق الإنسان من مصيره ومغزى حياته، وتأويل هذا العرض إلى واقعنا الراهن الذي بدا أقرب إلى الحالة العبثية، والتراجيديا الكوميدية، أي جدوى وجودنا وسط هذا الدمار المتحول والمتدرّج الذي بدأ يتدحرج ككرة ثلج من حرب وقتل وتدمير مادي إلى تدمير معنوي يتجسّد في لهاث يومي وراء لقمة العيش.
ويشارك المسرح القومي بحمص بعرض “حكاية أبو نزهة” الذي عُرض منذ أيام على خشبة مسرح ثقافة حمص وهو من تأليف وإخراج وتمثيل تمام عواني مع مجموعة من الممثلين، وتدور حكايته حول قصة من الواقع خبرها الكثير من جيل ثمانينات وتسعينات القرن الماضي في حمص هي حكاية “أبو نزهة” ممدوح الحزوري الذي اعتاد بيع الكتب المستعملة على أحد الأرصفة وسط المدينة، وأصبح معروفاً من قبل سكانها ومثقفيها وطلابها، يقصدونه لشراء الكتب والملخصات الجامعية بأسعار أقل من المكتبات، لكنه وبعد حوالي ثلاثين عاماً من بيع الكتب على الرصيف يجد نفسه مهدّداً بإخلاء المكان بذريعة تشويه المنظر السياحي للمدينة، وهكذا تقتلع بسطة كتب أبي نزهة من دون أن تنفع توسلاته ومناجاته للمسؤولين في الوسط الثقافي والبلدية والمحافظة في إعادته إلى بسطته.
ويُختتم المهرجان بعرض لفرقة المسرح العمالي بعنوان “أهدي سلامي” الذي قدّم في يوم المسرح العالمي آذار الفائت على خشبة مسرح ثقافة حمص، إعداد وإخراج سامر إبراهيم أبو ليلى عن قصص للكاتب الفلسطيني غسان كنفاني “الرجل الذي لم يمت” و”منتصف أيار” و”شيء لا يذهب” و”قصة العروس”، وهي نصوص ذات لغة أدبية عالية تمّ تحويلها إلى عمل مسرحي يتلاءم مع لغة وفهم للجمهور العام، تلخص أحداث فلسطين ومعاناة الشعب الفلسطيني مع الاحتلال الصهيوني، وصولاً إلى أحداث غزة وطوفان الأقصى، ويأتي العرض بمنزلة تحية إلى الأرواح الصامدة في فلسطين المحتلة وصرخة في وجه الظلم والطغيان الصهيوني العالمي.