هل ستستمر إمدادات الأسلحة لـ”إسرائيل” في عهد ترامب؟
عناية ناصر
يتردّد سؤال في الولايات المتحدة، وعواصم الشرق الأوسط بعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية، التي جرت في 5 تشرين الثاني، يتعلق بغزة التي دمرت إلى حدّ كبير بالأسلحة التي قدّمتها الولايات المتحدة، بما في ذلك الطائرات المقاتلة والصواريخ جو- أرض والدبابات القتالية، وناقلات الجنود المدرّعة، والقنابل غير الموجّهة التي يبلغ وزنها 2000 رطل. السؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق هو: هل ستقيّد إدارة ترامب القادمة شحنات الأسلحة إلى “إسرائيل”، أم أنها ستواصل سياسة إدارة بايدن في إمدادات الأسلحة غير المقيّدة لحكومة نتنياهو مما يتسبّب بالمزيد من الوفيات والدمار؟.
تشمل الخسائر، بحسب وزارة الصحة الفلسطينية، أكثر من 43391 شهيداً، وما لا يقلّ عن 102347 جريحاً في قطاع غزة، بما في ذلك 59٪ من النساء والأطفال وكبار السن، حتى 21 تشرين الأول 2024. وتضمّنت القضايا التي واجهها الناخبون الأمريكيون في الانتخابات الرئاسية التي جرت مؤخراً، والتي خسرت فيها مرشحة الحزب الديمقراطي كامالا هاريس أمام المرشح الجمهوري دونالد ترامب، ارتفاع تكاليف المعيشة، والتدفق غير المقيّد لآلاف طالبي اللجوء عبر الحدود إلى الولايات المتحدة، ورفض بايدن تقييد مبيعات الأسلحة لـ”إسرائيل” على الرغم من الاحتجاجات في جميع أنحاء البلاد.
تجاهل غزة
كان العنوان الرئيسي لمقال في صحيفة “نيويورك تايمز” في العاشر من تشرين الثاني الحالي للكاتب بيتر بينارت: “تجاهل الديمقراطيين لغزة” مما أدّى إلى سقوط حزبهم، حيث أشار الكاتب إلى أنه على مدار العام الماضي، أدّت المجازر التي ارتكبتها “إسرائيل” في غزة وتجويعها للفلسطينيين، بتمويل من دافعي الضرائب الأمريكيين، وبثّ جرائمها على وسائل التواصل الاجتماعي، إلى إشعال واحدة من أعظم موجات النشاط التقدمي في جيل كامل. وأشار بينارت إلى أن العديد من الأمريكيين الذين تحركوا بسبب تواطؤ حكومتهم في تدمير غزة ليس لديهم أي صلة شخصية بفلسطين أو “إسرائيل”. ومثل العديد من الأمريكيين الذين احتجوا على نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا أو حرب فيتنام، فإن دوافعهم ليست عرقية أو دينية، بل إنها أخلاقية. وفي سياق متصل قالت الدكتورة ناتالي غولدرينغ، التي تمثل معهد أكرونيم في الأمم المتحدة، بشأن قضايا الأسلحة التقليدية وتجارة الأسلحة: “إن الإدارة الأمريكية كانت داعماً قوياً ومدافعاً عن “إسرائيل”، وكانت أهم مورّد للأسلحة لها لعدة عقود. إن إمدادات الأسلحة الأمريكية تمنح “إسرائيل” القدرة على مواصلة خوض الحروب على جبهات متعدّدة، واعتبرت حكومة الكيان المحتل أفعالها على أنها “دفاع عن النفس” في أعقاب عملية طوفان الأقصى التي قامت بها المقاومة الفلسطينية في 7 تشرين الأول 2023، وقامت بشنّ هجمات عشوائية واسعة النطاق أثرت بشكل غير متناسب على المدنيين”.
23 مليار دولار مساعدات عسكرية أمريكية لـ”إسرائيل”
وثق معهد “واتسون” للشؤون الدولية مؤخراً ما يقرب من 23 مليار دولار من المساعدات العسكرية الأمريكية لـ”إسرائيل”، وما وصفه بالعمليات الأمريكية ذات الصلة من عملية طوفان الأقصى في 7 تشرين الأول 2023 حتى نهاية أيلول 2024، وشملت هذه الأسلحة قنابل تزن 2000 رطل، وقذائف مدفعية وذخائر موجّهة بدقة.
إذا كانت الإدارة الأمريكية على استعداد لوقف نقل الأسلحة والذخيرة الأمريكية إلى “إسرائيل”، فإن ذلك من شأنه أن يغطي الغالبية العظمى من الأسلحة التي تتلقاها “إسرائيل”، فوفقاً لمعهد “ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام”، كانت الولايات المتحدة مسؤولة عن نحو 70 في المئة من القيمة الدولارية لواردات الأسلحة الإسرائيلية في الفترة من 2019 إلى 2023. وأشار المعهد إلى أنه من المهمّ أيضاً تذكر أن مصنّعي الأسلحة الأمريكيين لديهم دافع ربحي لمواصلة توفير إمدادات ضخمة من الأسلحة لـ”إسرائيل”، فمصنّعو الأسلحة ليسوا مشاركين محايدين في هذه العمليات.
لم تكن احتمالات التغيير جيدة قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وربما تكون أسوأ الآن، حيث يبدو من غير المرجّح أن يقف الرئيس بايدن في وجه رئيس وزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ويوقف عمليات نقل الأسلحة الأمريكية، على سبيل المثال.
ومن جهتها، أوضحت الدكتورة غولدرينغ: “ليس لدى رئيس الوزراء نتنياهو حافز كبير للتفاوض مع الرئيس بايدن، وربما يتوقع استقبالاً أكثر ودية من ترامب بعد تنصيبه في كانون الثاني القادم”.
وفي هذا الخصوص قال زين حسين، الباحث في معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، إن الولايات المتحدة هي المورّد الأكثر أهمية للأسلحة التقليدية الرئيسية لـ”إسرائيل”، ففي الفترة 2019- 2023، زوّدت الولايات المتحدة بنسبة 69٪ من واردات “إسرائيل” من الأسلحة الرئيسية، وكان يشمل ذلك الطائرات والمركبات المدرّعة والصواريخ، من بين أشياء أخرى. وأضاف حسين إن الولايات المتحدة ترى “إسرائيل” كحليف استراتيجي رئيسي في الشرق الأوسط، ووسيلة قوية لدعم المصالح الأمريكية في المنطقة، وقد كرّس القانون الأمريكي في عام 2008 هذا الالتزام بالحفاظ على التفوق العسكري النوعي لـ”إسرائيل” في المنطقة، وهو قدرة “إسرائيل” على مواجهة وهزيمة أي تهديد عسكري تقليدي موثوق من الدول أو من الجهات الفاعلة غير الحكومية، مع تحمّل الحدّ الأدنى من الأضرار والخسائر.
وكجزء من هذا الاعتبار، بحسب زين حسين، هناك حاجة متصوّرة لـ”إسرائيل” إلى امتلاك وسائل عسكرية متفوقة مقارنة بأفراد آخرين أو تحالف محتمل من الدول أو الجهات الفاعلة غير الحكومية التي يمكن أن تشكّل تهديداً عسكرياً تقليدياً موثوقاً به لـ”إسرائيل”.
لقد التزمت الولايات المتحدة بتقديم 3.8 مليارات دولار سنوياً كمساعدات عسكرية مالية لـ”إسرائيل”، كما وتشارك صناعات الأسلحة الإسرائيلية والأمريكية في تعاون عميق في مجالات مختلفة، بما في ذلك الدفاع الصاروخي، ويمكن رؤية ذلك في نظام الدفاع الجوي الإسرائيلي المكوّن من ثلاث طبقات: القبة الحديدية، ومقلاع داود، ونظام السهم، وفقاً لما قاله حسين.
كانت “إسرائيل” تعتمد ولا زالت على الولايات المتحدة في القدرات العسكرية الرئيسية، فجميع الطائرات المقاتلة النشطة في سلاح الجو الإسرائيلي هي من أصل أمريكي، كما اعتمدت “إسرائيل” على الولايات المتحدة لتزويدها ببعض الصواريخ والذخائر، وفي أوقات الحرب كانت الأسلحة التي زوّدتها الولايات المتحدة ضرورية لعمليات “إسرائيل”. أما في حالة الحرب الحالية في غزة، فكانت الطائرات والقنابل والصواريخ التي زوّدتها الولايات المتحدة لا غنى عنها لعمليات “إسرائيل”، كما قال حسين.
وأشارت الدكتورة غولدرينغ إلى أنه في بداية شهر تشرين الثاني، وقعت أكثر من 50 دولة بالإضافة إلى جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي على رسالة قدّمتها إلى مجلس الأمن تدعو فيها إلى فرض حظر على الأسلحة ضد “إسرائيل”، بما في ذلك الأسلحة والذخائر، واستشهدت الرسالة بانتهاكات “إسرائيل” لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي.
وأضافت الدكتورة غولدرينغ: “نظراً لأن الولايات المتحدة تتمتّع بحق النقض في مجلس الأمن، فمن غير المرجّح أن تنجح الدعوة في فرض حظر دولي على الأسلحة على “إسرائيل”. ومع ذلك، فإن الرسالة إلى مجلس الأمن تشكّل بياناً مهماً حول القلق المتزايد للمجتمع الدولي بشأن طبيعة ومدى الهجمات الإسرائيلية”.
وفي الوقت نفسه، رحّب مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية “كير” في بيان صدر في 10 تشرين الثاني الجاري، بالتجميد المزعوم لتسليم الجرافات إلى “إسرائيل” باعتباره “اعترافاً ضمنياً” من إدارة بايدن بأن حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة تستخدم تلك المعدات في التطهير العرقي في غزة. وقال مجلس “كير” إن تجميد الجرافات المستخدمة في التطهير العرقي يجب أن يتبعه إنهاء تسليم الأسلحة إلى “إسرائيل”.