مسألة توقيت!!
بشير فرزان
تساؤلات عديدة أثارتها فبل يومين المناقشات المستفيضة التي دارت خلال جلسة مجلس الوزراء حول بعض الآثار البيئية والصحية السلبية لعدد من المنشآت الكبيرة، وما خلصت إليه الجلسة بالبحث في حلول جذرية واستراتيجية، بما في ذلك خيارات نقل مثل هذه المنشآت إلى أماكن مناسبة بعيداً عن التجمعات السكنية، أو التفكير بإغلاق المنشآت غير المجدية اقتصادياً وبيئياً. وطبعاً لم يختلف هذا الطرح عما طُرح سابقاً وبشكل مستنسخ من جميع الحكومات السابقة، إلا أن ما يميّزه اليوم هو توقيت طرح مثل هذه الحلول، في الوقت الذي يسود فيه العجز عن تأمين “مازوت التدفئة” و”جرة الغاز ” بشكل شهري للمواطن أو حلّ مشكلة النقل، فهل هناك جدوى من هذا الطرح؟ وهل التوقيت مناسب لمثل هذه الافكار؟ وما هي حقيقة الإمكانيات المتوفرة لتنفيذ هذا العمل الذي يخدم البيئة والاقتصاد معاً؟.
ولا شكّ ان الإجابة عن هذه التساؤلات ستكون في موقع الإجماع بأداة النفي “لا”، وهو ما يعني أن هناك الكثير من الطروحات التي يجب إسقاطها من جدول الجلسات لكونها غير مواكبة للواقع، وتمثل حالة “ذر الرماد في العيون” كما يُقال.
وإذا أردنا الحديث بلغة العقل والمنطق، فعلينا أولاً إخراج الحكومة من قفص المسؤولية الكاملة عما يحدث في حياة المواطن، فهي اليوم تعيش محنة الحرب والحصار وأعبائهما التي تكسر ظهر أية وزارة، أياً تكن مهامها، فحال الحكومة اليوم كحال جميع المواطنين الذين يرسمون أمنياتهم على وجه الماء، ولكن ذلك لا يعني انعدام البصر والبصيرة، فالواقع يتطلّب اليوم توجيه البوصلة بشكل صحيح، وبدلاً من إضاعة الوقت في قرارات وملفات يصعب تنفيذها أو العمل عليها في هذه المرحلة، لا بدّ من توجيه الاهتمام فيما يتعلق بالصناعة الوطنية نحو تمكين أكبر عدد ممكن من المعامل من معاودة الإنتاج ولو جزئياً، من أجل تلبية حاجة السوق المحلية من السلع الضرورية، واستيعاب ما يمكن من القوى العاملة اللازمة لإعادة عجلة الإنتاج إلى العمل وتحريك الأسواق الداخلية، وهذا ما يشكّل أساساً لأي قرار يخصّ الصناعة والإنتاج، ولا بدّ من التركيز على الصناعات الرابحة والتي يمكن أن تحقق عائدية كبيرة وسريعة، كالصناعات الغذائية والدوائية والمعدنية.
وطبعاً ما قلناه مجرد قراءة لجزء من الواقع الذي بات واضحاً بكلّ منغصاته وتحدياته التي تواجه الحكومة والناس على مدار الساعة، ضمن مسلسل الأزمات المتتالية التي لا تُعدّ ولا تُحصى. وهنا لا بدّ من وقفة ننتصر من خلالها لجميع الفرقاء في ميادين الحياة والعمل.
بالمحصلة.. لا يمكن إنكار الجهود الحكومية الكبيرة التي تُبذل لتحقيق الاسترخاء المعيشي، وبثّ الطاقة الإيجابية، والتفاؤل في تلك الآمال الموءودة تحت حطام الواقع، إلا أن الخيارات الخاطئة مهما كان نوعها واتجاهاتها ومدى قابليتها للتنفيذ ستزيد من قساوة الحياة وانشغال الناس في متاهة البحث “عن كل شيء”، وهنا ندعو إلى التدقيق في كلّ ما يُطرح من أجل سلامة ورجاحة الأفكار وبشكل يشحن الأداء الحكومي، وصمود المواطن بطريقة إيجابية خالية من العيوب والشوائب؟!.