ستون دقيقةً من الأدب في ضيافة ثقافي جرمانا
حسن يوسف فخّور
ستون دقيقةٍ محكومةٌ بالتقنين الكهربائي، استثمرها الشاعر والصحفي محمد خالد الخضر بتقديم عددٍ من الأدباء بالمحطة الثقافية في مدينة جرمانا، على الرغم من شحّ الحضور الذين جلسوا على كراسٍ بلاستيكية.
استهل الخضر أمسيته بلمّ شمل رموز العطاء السوري من الزيتون والياسمين والكرز بإلقاء عفوي ارتجالي وبشاعريةٍ متناغمة مع مضمون الأمسية قدم المشاركين من خلالها مع نبذةٍ مختصرةٍ عن مسيرة كلٍ منهم.
“ظلٌ وورق” هو عنوان قصتها القصيرة التي افتتحت فيها القاصة والصحفية أماني المانع الأمسية، تبعتها بقصة “وافترقنا”، تشبعت قصصها بالصور المفعمة بالواقعية التي لونتها بصوتها الهامس قريباً للمحاكاة.
وانتقل بنا الشاعر عبد الناصر شاكر من القصة إلى الشعر بصوته المرتبك وهو يقرأ قصيدة اللقاء الأول مع زوجته قبل انقضاء أربعين يوماً من رحيلها، القصيدة التي ألهمت أحد أبطال سورية الرياضيين ليكتب الشعر قبل ستةٍ وعشرين عاماً، أعاد إحياءها مع غصة الفراق التي كادت تفقده صوته على المنبر، مع صوره الرومانسية التي قامت عليها القصيدة في رسم ملامح العلاقة بينهما حين راح يقول لها “مبلل بكِ، تهطلين عليّ كالمطر”، ثم عاد يشكوها للشعر الذي فقدها، لينتقل إلى الضفة الأخرى من الشِعر، إذ راح يبحث عن الوطن الضائع وأمجاد أجداده، يثور على خنوع العرب وضعف موقفهم مما تعانيه فلسطين، وراح يبحث عن وطنٍ يصون كرامة الإنسان فيه من خلال قصيدته “في الطريق إلى الأندلس”، تبعها بقصيدتين عاطفيتين غرقتا بالصور الخيالية.
وأخذنا الخضر إلى شِعر المرأة، فقدم لنا الشاعرة إيمان موصللي التي بدأت قصائدها بمناظرةٍ بين الرجل والمرأة، استعرضت من خلالها أطباع كلٍ منهما، منتقلة إلى قصيدة عاطفيةٍ أخرى حملت إسقاطاتٍ تاريخية، وعادت تنتقد الرجال، والشعراء منهم خاصةً، أصحاب الكلمات المتلونة كما وصفتهم، وختمت فقرتها بأسئلة وجودية طرحتهم من خلال قصيدة غارقةٍ بالتفاصيل والعمق، باحثةً عن حقيقة الحياة والموت، انطلاقاً من نزعة الإنسان نحو الأبدية.
وختام الأمسية كانت مع الشاعر سلمان السلمان الذي أزاح الـ”مايكروفون”، وراح يلقي قصائده بصوتٍ جهوري، متناغماً مع التلوين الصوتي والتمثيل المسرحي الذي جاء مكملاً للصور الشعرية التي ألقاها، فأطرب القاعة، وكسر الصمت الذي سيطر على الأمسية، مسترسلاً بثلاث قصائد تمجّد الوطن والمقاومة برمزيةٍ عالية، طوّع خلالها الطبيعة للبوح بما تعجز الكلمات عنه، بأسلوبٍ يحاكي الأشياء ويتقمصها، للدفاع عن قضايا الأمة التي خذلها حكامها، مختتماً بقصائد غزليةٍ غارقاً بتفاصيل جسد الأنثى، ومبالغاً بالصور الخيالية التي ترسم تفاصيل العلاقة بين الرجل والمرأة.