التصحيح .. حركة تغيير وتطوير وطنية وقومية
د.معن منيف سليمان
شكلت الحركة التصحيحية التي قادها القائد المؤسس حافظ الأسد في السادس عشر من تشرين الثاني عام 1970، حركة تغيير وتطوير شملت مجالات الحياة ومكونات الوجود الوطني والقومي، ورسخّت مبادئ الوحدة الوطنية والقومية، مثلما أولت الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية والعسكرية اهتماماً خاصاً، لا سيما أنها انبثقت من مسيرة نضالية لحزب البعث العربي الاشتراكي، وارتكزت على قيادة واعية ومخلصة للوطن والأمة قادها قائد جماهيري مبدع، القائد المؤسس حافظ الأسد.
جعلت إنجازات التصحيح من سورية قلعة الأمة وحصنها وملاذها على مدى نصف قرن من الزمن، ذلك أن سورية بعد فجر السادس عشر من تشرين الثاني عام 1970 ليست كما قبله، وهذا ما أثبتته العقود الخمسة التي انقضت بكل محطاتها الإستراتيجية وبكل الظروف التي مرت خلالها، وحيال كل المؤامرات والمحاولات التآمرية الشريرة التي استهدفتها منذ ذلك الحين حتى اليوم. لذلك وبعد هذه الحقبة الزمنية لا نجافي الحقيقة إذا قلنا أن مفاعيل هذه الحركة قلبت الصورة منذ ذلك الحين، ليس فقط على مساحة سورية، وإنما على مستوى الأمة العربية وأبعد من ذلك بكثير؛ أي على المستويين الإقليمي والدولي في عدد من المسارات، ولا شك في أن السر لهذه الحركة يكمن أولاً وأخيراً في إنجازاتها العظيمة.
لقد شكلت الحركة التصحيحية تحولاً استراتيجياً نوعياً في تاريخ سورية المعاصر لمواجهة إرادة التزوير وتجسيد قواعد جديدة لدولة القانون المؤسساتية، وحققت جملة من الانجازات الوطنية في مختلف المجالات الاقتصادية والعلمية والثقافية والاجتماعية والعسكرية والسياسية، وفي مقدمتها التعددية الحزبية في إطار الجبهة الوطنية التقدمية التي جسدت الوحدة الوطنية الحقيقية بين أبناء الشعب العربي السوري.
فاستعادت سورية من خلال الحركة التصحيحية دورها ومكانتها الريادية على الصعيد الوطني والقومي والإقليمي والتحرري العالمي بقيادة مفجر الثورة وملهمها القائد القومي الكبير المؤسس حافظ الأسد، الذي ربط الأهداف الوطنية بالأهداف القومية، وشرع بعد انتخابه رئيساً للجمهورية العربية السورية مطلع عام 1971، بترسيخ الاستقرار الداخلي في القطر من خلال إرساء دولة المؤسسات والقانون ومن أهم انجازاتها :
تشكيل مجلس الشعب الذي يضم ممثلين عن الحزب والمنظمات الشعبية والمهنية والقوى والعناصر التقدمية بهدف ممارسة التشريع ووضع الدستور الدائم للبلاد.
وبعد ذلك كان الإنجاز المهم في تشكيل مجلس الشعب متمثلة في المرسوم الذي أصدره القائد الخالد حافظ الأسد في 11 أيار عام 1971، المتضمن قانون الإدارة المحلية الذي يهدف إلى تركيز المسؤولية في أيدي جماهير الشعب لتمارس بنفسها إدارة شؤونها.
وفي العام نفسه أصدر القائد المؤسس حافظ الأسد القرار رقم 35 تاريخ 24 أيار عام 1971، الذي تضمن تشكيل لجنة من الأحزاب والقوى الوطنية التقدمية تتولى وضع صيغة عملية للوحدة الوطنية، وفي أقل من سنة أنجزت اللجنة مهامها، ووضعت ميثاق الجبهة الوطنية التقدمية، وتم التوقيع عليه من قبل جميع الأحزاب المشاركة في 7 آذار عام 1972، وحددت مهام الجبهة على الصعيد الوطني، والقومي، والدولي، كما حدد نظامها الأساسي ومؤسساتها.
كما أقر مجلس الشعب الدستور الدائم للبلاد ونصت المادة /165/ منه كونه نافذاً من تاريخ إقراره بالاستفتاء الشعبي الذي تم في 12 آذار عام 1973 وقد أكد الدستور أن الحرية حق مقدس والديمقراطية الشعبية هي الصيغة المثالية التي تكفل للمواطن حريته.
وقد شهدت سورية في ظل الحركة التصحيحية نهضة حقيقة للمرأة السورية المعاصرة من خلال التشريعات المختلفة التي صدرت سواء ما كان منها خاصاً بالمرأة لتعزز دورها ومكانتها ودعمتها فكرياً وثقافياً ومعنوياً، وفتحت لها آفاق العمل في مختلف المجالات، حيث أصبحت اليوم عنصراً فاعلاً في بناء المجتمع وتبوأت مراكز قيادية مهمة .
وتأتي حرب تشرين التحريرية عام 1973، والنصر القومي الكبير الذي تحقق، في طليعة إنجازات تلك المرحلة على مستوى النضال القومي، وكانت تتويجاً للمرحلة الانتقالية من عمر التصحيح المجيد، وقد جاءت آثار هذه الحرب ونتائجها بالغة الأهمية على الصعيد القومي والعربي، والعسكري والدولي.
واستمرت سورية بمواقفها الثابتة والمبدئية في مواجهة المخططات والمشاريع الصهيونية بعد حرب تشرين التحريرية، وبقيت بقيادة القائد المؤسس حافظ الأسد متمسكة بأهدافها وثوابتها الإستراتيجية الوطنية والقومية، وشامخة رافعة لواء المقاومة والصمود والممانعة لمواجهة العواصف العدوانية لتحالف الشر العالمي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، وحلفائها لإخضاع المنطقة للنظام الشرق أوسطي الجديد الذي تحطم على صخرة صمود المقاومة من العراق إلى لبنان وفلسطين.
أما على صعيد قضية الأمة المركزية، ومنذ اللحظة الأولى للتصحيح المجيد ربط القائد المؤسس مسألة الحرب والسلام في المنطقة بالقضية الفلسطينية عندما قال: ” إن القضية الفلسطينية هي قضيتنا المركزية باعتبارها جوهر الصراع العربي الصهيوني وبالتالي هي محور نضالنا القومي”، فصدق القول والفعل ورفض كل المشاريع ومخططات التسوية المنفردة المشبوهة ونبه إلى مخاطرها بشكل مبكر وقرع جرس الإنذار.
وكان من أعظم إنجازات التصحيح دعم حركات المقاومات العربية في مواجهة الاحتلال الصهيوني، ما شكل عوامل قوة لسورية على المستويين العسكري والسياسي.
وكانت حماية لبنان من التقسيم وإجهاض مشروع التوطين فيه، الذي بدأ يتحرك على اعتبار أن لبنان آنذاك بمنزلة الحلقة الأضعف وهكذا مشروع من السهل تمريره، فكان دخول سورية ضمانة وحماية لوحدته وعدم السماح بتمرير التوطين.
وانطلاقاً من هذه المعادلة استمرت سورية في مسيرتها الواعدة للعمل الوطني والقومي، وباتت تمثل مشروعاً نهضوياً تحديثياً متكاملاً تبلورت صورته عبر العمل والانجازات في مختلف المجالات.
ولا شك في أن مسيرة التطوير والتحديث في سورية امتداد طبيعي لفكر ونهج القائد المؤسس حافظ الأسد مفجر ثورة التصحيح المجيد التي قادها القائد بشار الأسد منذ خطاب القسم في تموز عام 2000 حتى اليوم لتزداد عمقاً وشمولاً في سورية بشكل خاص، وعلى امتداد الوطن العربي الكبير والعالم بشكل عام .
إن حكمته وحنكته القيادية الريادية لمؤسسات الحزب والدولة والجبهة الوطنية التقدمية، التي واجهت كل التحديات الداخلية والخارجية، أكدت على التمسك بالثوابت القومية والوطنية واستعادة أراضينا المحتلة وعلى رأسها جولاننا الحبيب.
لقد تميزت كلماته بالشجاعة في القمم العربية التي كان من المفروض بنظر كل شرفاء الأمة اعتمادها كمنهج ودليل عمل لتحقيق المصالح القومية العربية وأهدافها الإستراتيجية، وفي مقدمتها الاستمرار في حماية نهج المقاومة، وتحقيق انتصاراتها المتعاظمة التي أسس لها انتصار تشرين التحرير، بدءاً من تحرير الجنوب اللبناني إلى هزيمة الاحتلال من قطاع غزة المقاوم، وتفكيك مستعمراته عام 2005، تحت ضغط قوى المقاومة حتى الانتصار الكبير للمقاومة الوطنية اللبنانية على مجرمي الحرب الصهاينة في حرب تموز عام 2006، وليس انتهاءً بالصمود الأسطوري للشعب الفلسطيني وقواه المقاومة الباسلة في قطاع غزة المحاصر في حرب الكانونين نهاية العام 2008، بداية العام 2009، إلى الانتصار العظيم للمقاومة الشعبية العراقية التي دحرت جحافل تحالف الشر الغربي المحتل بقيادة الإدارة الصهيو – أمريكية التي انهزمت تحت ضغط المقاومة الشعبية العراقية الباسلة، وختاماً بعملية طوفان الأقصى في تشرين الأول 2023، التي زلزلت كيان الاحتلال وقربت موعد زواله.