رأيصحيفة البعث

إستراتيجية التعافي المبكر

علي اليوسف

تطور جديد سيعيشه المشهد السوري على المدى المتوسط تحت مسمى “إستراتيجية التعافي المبكر” التي أطلقها  منسق الشؤون الإنسانية الأممي في سورية، آدم عبد المولى، منذ أسابيع. الإستراتيجية تمتد للفترة 2024 – 2028، وتهدف إلى تخفيف الأزمة الإنسانية التي تسببت بها الحرب الأطلسية على سورية.

هذه الإستراتيجية كانت نتيجة حتمية لتعاطي الدولة السورية مع المنظمات الدولية من باب السيادة الوطنية السورية، إذ أن هذه الإستراتيجية أتت نتيجة سنوات عديدة من العمل الدبلوماسي مع منظمة الأمم المتحدة، بما يضمن نهجاً مستداماً للتنمية. ولعل إنشاء صندوق ائتمان خاص بالتعافي المبكر يكون مقره في دمشق يمثل خطوة كبيرة في هذا الاتجاه، بعيداً عن أجندات القوى الغربية وكل الميليشيات الإرهابية الانفصالية بشتى مسمياتها.

بهذا المعنى، فإن إستراتيجية التعافي المبكر هي عملية تهدف إلى الانتقال من حالة الطوارئ والاحتياجات الإنسانية الفورية إلى مرحلة تنموية أكثر استدامة، وهذا يتطلب جهوداً لإعادة بناء البنية التحتية الأساسية، واستعادة الخدمات الاجتماعية والاقتصادية، وتوفير الدعم اللازم لعودة الحياة الطبيعية من خلال دعم تعافي مؤسسات الدولة.

ولكن من الضروري أن ينصب تركيز التعافي المبكر على التنمية المستدامة، وليس إعادة البناء أو إعادة الإعمار في حد ذاته، أي أن مشاريع التعافي المبكر هي أقرب ما تكون جسراً يربط بين الإغاثة الطارئة وإعادة الإعمار، وهنا يظهر التناقض بين المواقف الدولية، حيث لا تزال الولايات المتحدة ترفض قبول فكرة التعافي المبكر في سورية، وتريد الحفاظ على الوضع القائم لاستغلال الأزمة الإنسانية. أما بعض الدول الأوروبية فنراها تستجيب بإيجابية لهذه الفكرة التي تندرج ضمن أهدافها في ضبط قوانين الهجرة.

وعليه إذا كانت المنظمة الأممية جادة ومتحررة من قيود الولايات المتحدة، فإن الأساليب التي يجب عليها اتباعها ضمن مسار التعافي المبكر تتمثل في العمل على الرفع الفوري للعقوبات أحادية الجانب المفروضة على سورية، لأن إعادة الإعمار تتعارض مع العقوبات. والخطوة الثانية تتركز في تعزيز الاقتصاد الوطني، حيث يمكن تنفيذ المشاريع التي تركز على دعم القطاعات الاقتصادية الوطنية، مثل الزراعة والصناعات الصغيرة والمتوسطة لتحقيق التنمية المستدامة وتوفير فرص العمل، وبالتالي تقليل الاعتماد على المساعدات التي تتطلب موافقات غربية وما تمر بها من عراقيل وتفسرات تعطيلية. وبهذه الطريقة يكون التعافي المبكر مرحلة متقدمة من العمل الإغاثي، وينقل مستويات الدعم حجماً وفاعلية من مستوى منظمات إلى مستوى حكومات بعيداً عن المشاريع المنفذة سابقاً، والتي كانت أقرب للإغاثة العاجلة منها للتعافي.

لذلك المطلوب من أصحاب مشروع “إستراتيجية التعافي المبكر” تجريد الصفة السياسية عن الدعم عبر مفهوم التعافي المبكر، لأنه في الأدبيات الاقتصادية، تعتبر مشاريع التعافي المبكر حجر الزاوية في بناء التنمية المستدامة، وإعادة إحياء الاقتصاد والبنية التحتية والمجتمعية ككل، وهي خطوة حيوية نحو تحقيق الاستقرار وإعادة بناء المجتمع من خلال معالجة القضايا الملحة على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي، حيث تسهم هذه المشاريع في خلق بيئة مستقرة تزدهر فيها إعادة إحياء القطاعات الحيوية، ودعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة.