أيمن أبو الشعر وإضافة حقيقية جديدة للمكتبة العربية
أمينة عباس
خمسة وأربعون عاماً زمن طويل مرّ على إقامة الشاعر د.أيمن أبو الشعر في موسكو، ومع هذا بقي حبله السري مربوطاً بدمشق، فمنذ سنوات يختار فصل الخريف ليعود إليها عودة المحبّ المشتاق للقاء محبوبته، مردداً “الشام عند العاشقين شفاء”، فأصبحت زيارته لها تقليداً سنوياً يحرص من خلاله على إقامة أمسية شعرية أو توقيع كتاب ليتواصل مع الجمهور بما أنجزه، وهو يقول في تصريحه لـ”لبعث”: “مذ سافرت وأنا أحمل الوطن في داخلي، وهذه الزيارة المعتادة لي لدمشق في هذه الفترة تعيد الحياة إلي، فأعود إليها عودة المعشوق إلى عشيقته بعد غياب طويل، وهي التي تسكنني في غربتي وحين أحل فيها أبثها لواعجي ومشاعري”.
يعتاد الوسط الثقافي والأدبي عادة على الترحيب الحارّ بوجود أبو الشعر وعلى طريقته، وخير ترحيب هو الاحتفاء بما ينجزه على صعيد الشعر أو الترجمة.. من هنا أقام اتحاد الكتّاب العرب، مؤخراً، بالتعاون مع إدارة البيت الروسي في المركز الثقافي الروسي أمسية شعرية وندوة احتفت بكتابه الصادر حديثاً عن الاتحاد بعنوان “جينكيز أيتماتوف.. انطباعات وتعليق وحوار وترجمة لقصتيه المتنافسون والتفاحة الحمراء”، ولا يتردد مدير الندوة د.ثائر زين الدين الذي سبق وترجم بعض كتبه من الروسية إلى العربية بالقول: “الأدباء والمثقفون والمشاركون يجتمعون في الندوة على مؤلف متميز يتحدث فيه كاتبه بما يتحلى به من ذائقة أدبية وشعرية ورؤية نقدية عن روائي كبير في الأدب الروسي والعالمي قدم أعمالاً تربت على قراءتها أجيال وأجيال”.
ولا يبدو أبو الشعر في ترجماته كغيره من المترجمين الذين يترجمون عن اللغة الروسية حين يقطفون كلمة من هنا وكلمة من هناك ويتعلمون الترجمة التجارية ليكون لهم رصيد في طباعة الكتب، فهو حسب رئيس اتحاد الكتّاب العرب د.محمد الحوراني “لا يمكن لأيمن أبو الشعر أن يترجم كتاباً أو يضيف لنفسه عملاً إلا إذا كان مدركاً تماماً أنه سيشكل إضافة حقيقية للمكتبة العربية، وهي أمانة كبيرة يجب أن يتحلى بها المثقف العضوي الحقيقي الذي يغوص عميقاً في احتياجات أمته والمشهد الثقافي والأدبي والإبداعي، لذلك هناك علاقة وطيدة بين أبو الشعر المترجم وما يترجمه عن الروسية لأدباء أمثال “رسول حمزاتوف” و”جينكيز أيتماتوف” موضوع الكتاب الجديد له والذي تناول فيه تجربة “أيتماتوف” الأدبية وإخلاصه لأرضه وانتماءه إليها، وهو ما يتقاطع مع أبو الشعر الأديب والشاعر والإنسان المنتمي لهذه الأرض”.
وقبل سرده لما جاء في الكتاب، يتناول د.راتب سكر في مشاركته وبمقدمة طويلة زمالته لأبي الشعر أيام الدراسة في موسكو ومواكبته لنشاطه هناك، فيخبرنا: “اتسمت سنوات دراسته بدأبه الثقافي المتواصل على تعميق صلاته الشخصية والمعرفية بكتَّاب ومثقفين من هويّات لغويّة وقوميّة مختلفة، وقد أجرى حواراته مع “جينكيز أيتماتوف” منذ منتصف الثمانينيات الماضية في مرحلة زمنية كانت فيها مكانته تتنامى في سورية والبلدان العربية، من خلال ترجمة عدد كبير من مؤلفاته الأدبية إلى العربية التي كانت مشفوعة بمقدمات نوعية مهمة كان فيها معاكساً لروح انكسارات الأحلام العربية والإنسانية منذ اتفاقية “كامب ديفيد” سنة 1978وكانت رؤى أبو الشعر المنتمية إلى طينة تلك المعاكسة قد وجدت في “إيتماتوف” ضالتها، لذلك جاءت حواراته معه فياضة بأسئلة وأجوبة معبّرة عن مواجهة اليأس بالأمل، والمنبثقة من معرفته الحميمة له من جهة، وتقديره خصوصية مواقفه من القضايا العربية، لذلك تنوعت كتاباته عنه في الكتاب تنويعاً ضرورياً لتقديمها إطاراً لائقاً بصورته كأديب بلاد “قرغيزيستان” الصغيرة، وهو الذي غدا في وقت ومرحلة قياسيين واستثنائيين أديباً عالمياً، فكان جديراً باهتمام الدارسين والباحثين المهتمين بالوحدة العضوية بين ثلاثية الآداب والفنون الأصيلة: الثقافي والوجداني والاجتماعي، التي اجتهد أبو الشعر طويلاً ليكون واحدا منها”.
ويتناول أيمن أبو الشعر في الكتاب انطباعاته عن شخصية وحياة “أيتماتوف”: “الحديث عنه ليس سهلاً على الإطلاق، فهو شخصية غير عادية، كاتب عملاق سبرَ أغوار النفس الإنسانية في مراحل تحول تاريخية وقدم شخصيات من صلب المجتمع في مراحل التحولات الكبرى مراحل بناء المجتمع الاشتراكي بعد انهيار الامبراطورية الروسية ثم في مراحل بداية تدمير القيم الاشتراكية والإرهاص لتفكك الاتحاد السوفييتي، وقد حرص في مجمل رواياته على إظهار الأخطاء والانعطافات التي نخرت المجتمع وأدت إلى انهياره”، كما تضمن الكتاب حوارات أبو الشعر مع “أيتماتوف” ومناقشته لمعظم أعماله التي ارتكزت إلى تجربته الحياتية في استنطاق الحياة وصراعاتها وكيف تناول موضوعة الحب في كتاباته كقصة “جميلة” التي كتبها عام 1958 والتي عدّها الشاعر الفرنسي “أراغون” أفضل قصة حبّ في العالم، وكما في رواية “عندما تتهاوى الجبال.. العروس الخالدة” وهي أخر رواية كتبها “أيتماتوف” عام 2006 “من أكثر أعماله نضجاً وهي رواية حب بامتياز وإن طغت القضايا الإنسانية على جانبها العاطفي”.
وفي الفصل الأخير من الكتاب يقدم أبو الشعر ترجمته لقصتين من قصص “أيتماتوف”، هما “التفاحة الحمراء” و”المتنافسون” التي قال عنها: “لا تقل روعة عن “جميلة”، مع تأكيده أن “غالبية قصص وروايات “أيتماتوف” تتناول الريف في آسيا الوسطى بهمومه بنسب متفاوتة ويمرّ الحب فيها كإحدى معطيات الحياة لا أكثر، تحديداً مع انعكاس مرحلة الحرب وما بعدها على الناس”.
وخُتمت الندوة بأمسية شعرية لأيمن أبو الشعر، حيّا من خلال القصائد التي ألقاها الحب: “لأننا نعيش في أصعب الظروف وما أحوجنا للحب اليوم”، كما ألقى قصيدة جديدة حملت عنوان “هذا أوان الجوع شدّوا الأحزمة”، ملخّصاً فيها الهجمة الشرسة علينا من قبل الغرب والعدو الصهيوني وما يحدث في فلسطين ولبنان.
وتخلل الندوة عرض فيلم وثائقي عن أيمن أبو الشعر من إعداد رحاب حوات وإنتاج مؤسسة الكتيبة الإعلامية ـ تونس وغناء لبعض قصائده بصوت لانا هابراسو ومعن دوارة، كما أهدت الفنانة التشكيلية رنا محمود الشاعر لوحة فنية من لوحاتها مستوحاة من إحدى قصائده.
يُذكر أن الشاعر أيمن أبو الشعر ينتمي إلى جيل السبعينيات الذي ضم أسماء كبيرة في عالم الشعر، مثل فايز خضور ونزيه أبو عفش، وكانت قاعات دمشق ومدرجاتها تضيق بجمهور شعره الذي شكل ظاهرة مهمة في المشهد الثقافي حينها، ليعدّ من أشهر الشعراء الجماهيريين، حيث انتشر شعرُه الذي كان يلقى في الأمسيات عبر أشرطة التسجيل، كما أسس حينها الفرقة الفنية “سبارتاكوس” فلحَّن وغنّى العديد من قصائده مثل “المجد للصمود” وغيرها من القصائد، وانتقلت عبر الكاسيتات إلى مختلف بقاع العالم العربي وإلى فلسطين التي صدرت فيها بعض مؤلفاته المنقولة عن هذه الأشرطة كديوانه “الصدى”.