اقتصادصحيفة البعث

وصفة “خبيثة” لإفلاس الدولة!!

علي عبود

منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي، لم تتوقف الوصفات الفعّالة لاجتثاث القطاع العام، وخاصة من قبل دعاة الخصخصة، وتحديداً من الاقتصاديين الذين سبق لهم العمل في الصندوق أو البنك الدوليين! ولم تكن وصفة “الدمج” التي بدأت تباشيرها في نهاية ثمانينيات القرن الماضي سوى آلية فعّالة لتخفيف قبضة الدولة عن قطاعها الحكومي لصالح القطاع الخاص المحلي والدولي! كما أن التشاركية التي بدأت الأصوات تدعو إلى تطبيقها منذ بدايات القرن الحالي ليست سوى وصفة جديدة ومتطورة من الخصخصة، والهدف واحد: “تحرير” الاقتصاد الوطني من قبضة الدولة! وإذا كان الدمج وصفة فعّالة لتخفيض عدد المؤسّسات والشركات الحكومية، فإن الخصخصة بمسمياتها التقليدية والحديثة هي وصفة “خبيثة” لإفلاس الدولة وإخضاعها تدريجياً للمؤسّسات المالية الخارجية الإقليمية والدولية. 

الملفت، والمريب معاً، أن كلّ تجارب الدمج خلال العقود الثلاثة الماضية أخفقت، وكانت نتيجتها إضعاف دور الدولة في الاقتصاد والمجتمع دون أن تشهد أيّ دور ملموس وفعّال للقطاع الخاص في التنمية! 

ويزعم البعض أن الخصخصة هي الحلّ للشركات الحكومية الخاسرة دون أن يجيب عن سؤال في غاية الأهمية: هل يمكن لأي “جهبذ” في القطاع الخاص أن يحوّل شركة خاسرة إلى رابحة أكثر من الدولة بإمكاناتها الكبيرة؟! 

لم تكن قضايا الهدر والفساد والعمالة الفائضة، والتخلف التقني والإداري.. إلخ، هي السبب في تحوّل الكثير من شركات القطاع العام إلى عبء على الدولة وخزينتها العامة، وإنما القضية كانت ولا تزال في غياب الإرادة بتفعيل القطاع العام، ورفض الحكومات المتعاقبة منذ بداية تسعينيات القرن الماضي تحديث خطوطه الإنتاجية من جهة، وتحريره من الجهات الوصائية بمنحه الاستقلال المالي والإداري من جهة أخرى! 

حسناً.. نتحدى دعاة الخصخصة الإجابة عن سؤالنا: ما التجربة الناجحة للخصخصة التي طبّقتها دول المنطقة منذ عقود كي تقتدي سورية بها؟ السؤال سهل جداً، والإجابة نجدها في دول مثل لبنان القريب، ومصر التي كان اقتصادها يشبه، إلى حدّ بعيد، اقتصاد سورية، وتركيا التي يراها الكثيرون نموذجاً اقتصادياً مزدهراً؟ 

نعم.. اقتصادات هذه الدول ازدهرت في السنوات الأولى لتطبيق الخصخصة، لكنها وقعت سريعاً في فخ القروض فالديون، وبات دوران عجلات اقتصادها يتوقف على استجرار المزيد من القروض وبيع أصول الدولة، إلى حدّ قال فيه اقتصاديون أتراك إنه لم يعد لدى حكومتهم منشآت وأصول لبيعها سوى الغابات! 

والخطير في الخصخصة أنها وصفة خبيثة لإفلاس الدولة، بدليل أن لبنان ومصر وتركيا باتت مضطرة لاستجرار المزيد من القروض سنوياً لتسديد فوائد – وليس أقساط – القروض القديمة من جهة، ولتأمين احتياجات شعوبها من جهة أحرى. والأخطر من كلّ ذلك فقدان السيادة والأمن القومي، فالدولة التي لا تلتزم بسياسات من يمنحها القروض تتعرّض للضغوط حتى تخضع، أو يُتخذ قرارٌ بإفلاسها مالياً وزعزعة اقتصادها، كما حصل في لبنان منذ عام 2019! 

الخلاصة.. وصفات تفعيل القطاع العام، كي يبقى الذراع الفولاذية التي تحقّق أمنها السياسي والاقتصادي والاجتماعي، كثيرة، ونجد الكثير منها في مقترحات لجان التطوير والإصلاح المشكّلة منذ تسعينيات القرن الماضي، وحتى الأمس القريب، والتي لم تعمل أيّ حكومة على تنفيذها لانشغالها بوصفات الدمج أو الخصخصة “باسم التشاركية” التي لم تنجح في أي دولة في المنطقة، والتي لم تكن سوى وصفات خبيثة لإفلاس الدول.