ضوء أخضر لأوكرانيا.. بايدن يحرج خليفته
سمر سامي السمارة
كطلقة وداع للرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، تحدى جو بايدن المهزوم، البنتاغون بالمخاطرة بالأمن الأوروبي والأمريكي بقراره الذي أعلن فيه السماح لأوكرانيا بإطلاق صواريخ أمريكية بعيدة المدى على الأراضي الروسية، وذلك على الرغم من أنه قبل شهرين فقط – في أيلول الماضي – انحنى أمام الواقعيين في البنتاغون الذين عارضوا السماح لأوكرانيا بإطلاق صواريخ “ستورم شادو” البريطانية بعيدة المدى في عمق الأراضي الروسية، خوفاً من أن يؤدي ذلك إلى مواجهة عسكرية مباشرة بين الناتو وروسيا بكل ما يترتب على ذلك من مخاطر.
في ذلك الوقت، حذر بوتين من سماح الغرب لأوكرانيا بضرب روسيا بصواريخ بعيدة المدى، وإطلاق الجنود البريطانيين على الأرض في أوكرانيا للصواريخ البريطانية على روسيا بدعم جيوستراتيجي أمريكي، مؤكداً أن ذلك، سيعني أن دول الناتو – الولايات المتحدة والدول الأوروبية- تحولت إلى حالة حرب مباشرة مع روسيا، الأمر الذي سيغير طبيعة النزاع نفسها، والذي سيؤدي إلى اتخاذ القرارات المناسبة، رداً على التهديدات التي ستوجه إلى روسيا.
كان رد الرئيس الروسي بمثابة تحذير واضح من أن الأهداف البريطانية والأمريكية ستكون هدفاً، الأمر الذي جعل بايدن يتراجع خشية تصعيد قد يؤدي إلى نزاع مباشر مع موسكو.
كانت هذه هي المرة الثانية التي يقف فيها بايدن إلى جانب البنتاغون ضد المحافظين الجدد في إدارته عندما كان يتعلق الأمر بتجنب الحرب المباشرة مع روسيا، وقد كانت المرة الأولى في آذار 2022 عندما خرج وزير خارجيته المحافظ الجديد أنتوني بلينكن عن الخط ليعلن أن الولايات المتحدة ستمنح بولندا، العضو في حلف شمال الأطلسي، “الضوء الأخضر” لإرسال طائرات مقاتلة من طراز ميغ-29 إلى أوكرانيا لفرض منطقة حظر جوي ضد الطائرات الروسية.
ثم ضغط أعضاء الكونغرس ووسائل الإعلام على بايدن للموافقة عليها حتى تدخلت وزارة الدفاع الأميركية، أكبر مصدر للعنف في التاريخ، لوقفها.
انحاز بايدن في النهاية إلى البنتاغون، حيث عارض إنشاء منطقة حظر جوي لحلف شمال الأطلسي فوق أوكرانيا تقاتل الطائرات الروسية، مشيراً إلى أن ذلك قد يؤدي لنشوب الحرب العالمية الثالثة في أوكرانيا، وقد أيده وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن في ذلك الوقت قائلاً: “لقد كان الرئيس بايدن واضحاً في أن القوات الأمريكية لن تقاتل روسيا في أوكرانيا، وإذا أنشأت منطقة حظر جوي، فمن المؤكد أنه من أجل فرض منطقة حظر الطيران هذه، فسوف تضطر إلى الاشتباك مع الطائرات الروسية، ومرة أخرى، هذا من شأنه أن يضعنا في حرب مع روسيا”.
ولكن الآن تراجع بايدن عن مواقفه متحدياً البنتاغون ليراهن على أن تحذيرات روسيا لن تؤدي إلى صراع نووي، ففي حين أنه لم يأذن حتى بشن هجمات صاروخية بريطانية بعيدة المدى على روسيا في أيلول الماضي، فقد أعطى أوكرانيا مؤخراً الضوء الأخضر لاستخدام أسلحة أمريكية قوية بعيدة المدى لشن ضربات داخل روسيا، ومنها الصواريخ المعروفة باسم نظام الصواريخ التكتيكية للجيش أو “أتاكمز” والتي يمكن أن تصل حوالي 190 ميلاً، الأمر الذي يعرض روسيا لخطر اتخاذ إجراءات مباشرة ضد أهداف أمريكية. والسؤال الذي يطرح نفسه، ما الذي غير تفكير بايدن المشوش؟
نظام غير ديمقراطي
أولاً، أعطى النظام الانتخابي الأمريكي غير الديمقراطي بايدن الفرصة، فعلى الرغم من تصويت الناخبين لصالح خروج حزبه من السلطة في الخامس من تشرين الثاني، ورفضهم للديمقراطيين في البيت الأبيض، فإن الديمقراطيون يستطيعون التمسك بالسلطة لمدة 11 أسبوعاً أخرى، وهو الوقت الكافي لإحداث قدر كبير من الضرر للإدارة القادمة التي تم انتخابها.
ففي النظام البرلماني، يتولى رئيس الوزراء الجديد منصبه في اليوم التالي، ويسمي الحكومة الجديدة قبل وقت طويل من الانتخابات.
بعد فترة ولاية واحدة للرئيس جورج بوش الأب، الذي خسر أمام بيل كلينتون في انتخابات عام 1992، استخدم بوش تلك الأسابيع الـ 11 لغزو الصومال، ما أدى إلى إثقال كلينتون بأزمة في السياسة الخارجية من شأنها أن تثبط عزيمته وتشتت انتباهه عن أجندته، وما يحدث الآن هو شيء مماثل، حيث يريد بايدن تقويض جهود ترامب لإنهاء حرب أوكرانيا، فقد طرح نائب الرئيس الحالي فكرة احتفاظ روسيا بالأراضي التي حررتها مقابل السلام.
يؤكد المراقبون عن كثب، أن بايدن وضع ارثه على المحك في أوكرانيا، فقد شارك في انقلاب عام 2014، وفي ممارسات مشبوهة هناك مع ابنه، ثم في استفزاز روسيا للبدء في عمليتها العسكرية في عام 2022، معتقداً أنه سينجح في إسقاط بوتين بحرب برية اقتصادية وإعلامية وبالوكالة.
لقد خسر الثلاثة الآن بشكل حاسم، حيث تستعد الولايات المتحدة – التي لا تزال تحت قيادة بايدن – لنهاية اللعبة. وفي محاولة لإنقاذ ماء وجه بايدن، قال مسؤول أمريكي، لم يُصرح له بالتحدث علنًا ًعن القرار، إن الولايات المتحدة تسمح لأوكرانيا باستخدام الأسلحة لاستهداف كورسك وحولها.
لذا سمح بايدن باستخدام صواريخ “أتاكمز” في أوكرانيا لصد قوة روسية قوامها 50 ألف رجل تسعى إلى استعادة كل تلك الأراضي الروسية، ووفقاً للمتحدث باسم البنتاغون، فإن جزءاً من تلك القوة يتألف من فرقة تتألف من 10 آلاف جندي كوري على الأقل بدعوة من موسكو، وبالتالي تعمل بشكل قانوني على الأراضي الروسية قبل الحرب.
ومع ذلك، فإن وجود الكوريين دفع إدارة بايدن ووسائل الإعلام المتحالفة معها إلى نوبات من الجنون، حيث زعمت صحيفة “نيويورك تايمز” إن بايدن اقتنع بإجراء التغيير جزئياً بسبب الجرأة المطلقة لقرار روسيا بإرسال قوات كورية إلى الخطوط الأوكرانية، مضيفةً إنه تأثر أيضاً بالمخاوف من أن تكون قوة الهجوم الروسية قادرة على سحق القوات الأوكرانية في كورسك إذا لم يُسمح لها بالدفاع عن نفسها بأسلحة بعيدة المدى.
يبدو سلوك بايدن وكأنه لا يعرف العواقب الوخيمة المحتملة التي يطلقها بتهور، فقد تم تحذيره بالفعل بشأن منطقة حظر الطيران، وهو نفسه قال أن هذا يسمى الحرب العالمية الثالثة، أليس كذلك، ثم حذره البنتاغون من السماح للصواريخ البريطانية بالاستخدام, لكنه الآن، لا يبدو أنه يهتم بأي شيء آخر، فقد حُرم من ولاية ثانية وسيخاطر بحرب بين الناتو وروسيا لتجنب وصمة الهزيمة الكاملة في أوكرانيا.
هذا ما يتجاهله.
ووفقاً لصحيفة “نيويورك تايمز”، فقد استغل بعض مستشاري بايدن تقييماً استخباراتياً أمريكياً صدر حديثاً، حذر من أن بوتين قد يستجيب لاستخدام أنظمة “أتاكمز” بعيدة المدى على الأراضي الروسية بتوجيه الجيش الروسي للرد، ربما بالقوة المميتة، ضد الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين، كما حذر التقييم من عدة ردود أفعال روسية محتملة تضمنت تصعيداً يستهدف المنشآت في أوروبا، فضلاً عن الهجمات القاتلة المحتملة على القواعد العسكرية الأمريكية والأوروبية.