مجالس “استشارية”!
بشير فرزان
أحيا قرار وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية بتشكيل المجلس الاستشاري الاقتصادي ذكريات ووقائع عديدة حول دور هذه المجالس، ومدى فعاليتها في تغيير الواقع عبر وصفات علاجية، أو كما يطلق البعض عليها إسعافية لانتشال واقع القرارات الحكومية من قاع الفشل والعجز.
ولا شكّ أن استذكار التجربة المريرة للمجالس الاستشارية، والدخول على خط إنجاز هذه الهياكل الإدارية، يشكّل مدخلاً مهماً للبحث في واقع المنظومة الاستشارية التي عشّشت في المكاتب المختلفة، وتكاثرت وتناسلت هيئاتها في العديد من الوزارات والمؤسّسات، على الرغم من التساؤلات التي تُحيط بكفاءة استشارات هذه المنظومة الاستشارية المانحة لـ “المعلومة الصحيحة”، هذا إلى جانب الشكّ والتحفظ على مهامها ورؤاها التي مهّدت الطريق سابقاً أمام العديد من الانتكاسات الحقيقية التي يعيش المواطن تبعاتها وأزماتها المتعدّدة.
وبغضّ النظر عن المزايا التي يحصدها لقب مستشار، وبالتركيز على الرؤية المهنية والعلمية والخبرات المتميزة التي تؤهل لحمل هذا اللقب، نجد أن الكثير من المدرجين ضمن هذا العمل كانوا سابقاً يخضعون لمعايير المجاملة لصديق أو قريب أو زميل بوضعه مستشاراً، خاصة وأن الكثير من المستشارين هم من المسؤولين أو المديرين السابقين الذين لم يوفقوا في إدارة وإنجاح مؤسساتهم، وقد يكون تشكيل مجالس استشارية من الكوادر الاقتصادية الأكاديمية مفيداً ومنشطاً لهرمون البحث عن مسارات متنوعة للاقتصاد وبوابات عبور إلى خارج الحدود، إلى جانب أفكار استثمارية جديدة لكلّ ما هو موجود ومتاح تحت عنوان “ثروة وطنية”، كما أنها لا تتعارض من حيث المضمون والهدف مع الدعوى لتوحيد العمل الاستشاري في مؤسّسة شاملة بعد إعادة النظر ببنية المنظومة الاستشارية المتكاثرة بطريقة عجيبة غريبة، وبما تنتجه من عصارة فكرية عقيمة النفع، هذا مع الحرص على عدم تجاهل أو تغييب فرضية الخطأ في تقييمها، والحكم بأنها لم تلعب أدواراً مهمّة في دفع العمل العام نحو تحقيق مزيد من النجاح، ولم تحدث فرقاً كبيراً في مسيرة أي قطاع، مع غياب تطبيق معايير المساءلة والمحاسبة والشفافية عليها، وبقيت تعمل بالتكتيك نفسه خلال الحكومات المتعاقبة بخطٍ موازٍ لرغبات السلطة التنفيذية، دون أي تصحيح أو فائدة علاجية، ولذلك لم تكن بالقوة والفعل المطلوب، ولم تحمل معها فائض القيمة الذي أسّست من أجله في توجيه مسارات العمل الحكومي، بشكل صحيح، نحو مصلحة الناس، ولم توفق أيضاً في إدارة المشاريع المرتبطة بالاختيارات الكبرى للتنمية ومشاريع الاستراتيجيات المتعلقة بالسياسة العامة للدولة في الميادين كافة، والحديث هنا لا يخصّ أشخاصاً بل منظومة استشارية كاملة ربما تحتاج للمساءلة والمحاسبة في حال أخطأت في توجيه البوصلة بقراراتها؟!
بالمحصلة، يسعدنا أن تؤسّس المجالس من اختصاصات مختلفة، ومنها الإعلامي، ولكن لا بدّ من التنبيه والحذر من خطورة استنساخ مجالس عاطلة عن العمل تحت تسميات كبيرة دون أن تحقّق الهدف والغاية منها، وبكل تأكيد لن نتسرّع في إصدار الأحكام المبرمة استناداً إلى التجارب السابقة، بل سننتظر القرارات الاستشارية وما ستحمله من جديد في إدارة الدفة الاقتصادية، مع احترامنا وتقديرنا لكلّ الكفاءات والقامات الاستشارية التي لها باع طويل في العمل الاقتصادي الأكاديمي والتنفيذي والإعلامي.