دراساتصحيفة البعث

تصاعد اعتداءات المستوطنين في موسم الزيتون

د. معن منيف سليمان

 تصاعدت اعتداءات قطعان المستوطنين في موسم الزيتون في الضفة الغربية هذا العام، حيث شهدت بلدات الضفة المحتلة اعتداءات يومية من المستوطنين وقوات الاحتلال الإسرائيلي، على المزارعين وصلت إلى حد القتل، وحرق أشجار الزيتون وتقطيعها وسرقة المحصول، ومنع المواطنين من الوصول إلى أراضيهم لجني محصولهم من ثمار الزيتون.

يمتلك الفلسطينيون في شتى أرجاء الضفة الغربية أراضٍ مزروعة بأشجار الزيتون في المنطقة الواقعة بين ما يسمى الخط الأخضر والجدار المقام حول الضفة الغربية، وهذه إحصائية صادرة عن مكتب متخصص للأمم المتحدة.

ووفًقاً لما رصده مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في شمالي الضفة الغربية، كان إنتاج الزيتون للعام 2023 في المنطقة التي يفصلها الجدار أقل بنسبة 93 بالمئة بالمقارنة مع الإنتاج في المناطق التي يمكن الوصول إليها.

تعود أصول الهجمات التي يشنها المستوطنون على حقول الزيتون إلى عقود ماضية، حين بدأت تظهر نيات المستوطنين ومشاريع الاستيطان تقترب من حدود القرى.

وعن هذه الهجمات، قال مدير مكتب هيئة مقاومة الجدار والاستيطان في شمالي الضفة مراد اشتيوي: “إن هناك تصاعداً كبيراً في اعتداءات المستوطنين على قاطفي ثمار الزيتون هذا العام، مستغلين حرب الإبادة الجماعية التي تشنها قوات الاحتلال على قطاع غزة”.

وأشار إلى أن هذه الاعتداءات تركزت في الريف الجنوبي لمحافظة نابلس، وعلى وجه التحديد في بورين وقصرة، اللتين سجلتا أعلى حصيلة في الاعتداءات.

ومنذ بدء موسم قطف ثمار الزيتون وثقت هيئة مقاومة الجدار والاستيطان ما مجموعه 91 اعتداءً على قاطفي الزيتون في الضفة الغربية، 60 منها تناوبت على تنفيذها قوات الاحتلال والمستوطنون، و31 اعتداءً نفذها مستوطنون، أسفرت عن استشهاد مواطنة في محافظة جنين، وإصابة 36 آخرين، إضافة إلى تقطيع وحرق مئات أشجار الزيتون.

وفي مواجهة هذه الاعتداءات، يقول اشتيوي: أطلقنا الحملة الوطنية لقطف ثمار الزيتون، بالتعاون مع وزارة الزراعة وعدد من الشركاء والمتضامين الأجانب، لمساعدة المزارعين على جني محصولهم خاصة في المناطق التي تتعرض لاعتداءات الاحتلال وانتهاكاته.

وفي تقرير سابق، أعدّته وكالة “وفا” الفلسطينية، توقعت وزارة الزراعة عدم تمكن المزارعين من الوصول إلى 80 ألف دونم من المساحة المزروعة بالزيتون، جراء تصاعد إجراءات الاحتلال وهجمات المستوطنين، ما قد يترتب عليه فقدان نحو 15 بالمئة من الإنتاج، الذي قُدر هذا الموسم بنحو 20 ألف طن زيت.

وينتظر الفلسطينيون غالباً وصول تصاريح “خاصة” التي أصبحت أمراً تقليدياً لدخول أراضيهم، القريبة من المستوطنات أو المعزولة خلف جدار الفصل العنصري، لكن تلك التصاريح لم تشكل يوماً أساساً لسهولة دخولهم إلى حقولهم ولا ملاذاً لهم من هجمات المستوطنين، وخلال هذا العام عرضوا على المزارعين خرائط تمنعهم من دخول مناطق واسعة مزروعة بالزيتون.

وفي معظم الأحيان يحرم الاحتلال المزارعين من الوصول إلى أراضيهم الخاصة القريبة من المستوطنات أو جدار الفصل والتوسع العنصري في الضفة الغربية، في الوقت الذي يسمح للمستوطنين باستغلال هذه الأراضي والسيطرة عليها، سواء لإقامة المزيد من المستوطنات أو الشوارع الاستعمارية.

ومع بدء موسم الزيتون العام الحالي، تجمع أصحاب تلك الأراضي للتوجه إليها بصورة جماعية، بهدف التمكن من قطف ثمار الزيتون والتصدي لاعتداءات المستوطنين المتواصلة.

وعلى الرغم من تجمعهم وحرصهم على التوجه بصورة جماعية، فإن المستوطنين هاجموهم، وأطلقوا ماشيتهم باتجاه أشجار الزيتون وحاولوا استفزازهم. وبعد ساعات، حضرت القوات الإسرائيلية إلى السهل، وطلبت من المزارعين الخروج منه.

في المقابل، يقوم الجيش الإسرائيلي بتوفير الحماية للمستوطنين ومساندتهم في التضييق على السكان، حيث منعوا من الوصول قطعياً إلى 5 آلاف دونم غالبيتها مزروعة بأشجار الزيتون، بدعوى أنها مناطق قريبة من المستوطنات بحجج أمنية.

ويقول وزير الزراعة الفلسطيني رزق سليمية، إن المواطنين في الضفة الغربية على أبواب موسم زيتون استثنائي وصعب وسط تصاعد اعتداءات المستوطنين وحرب الإبادة الإسرائيلية.

وتابع: “نواجه هذا العام خطر تكرار منع المزارعين من جني أكثر من 100 ألف دونم العام الماضي، بسبب اعتداءات المستوطنين، إضافة إلى منعهم من دخول أراضيهم الواقعة خلف جدار الفصل التي تستوجب استصدار تصاريح، وتعذر وصولهم إلى الأراضي في مناطق مصنفة “ج”.

وعدّ الوزير الفلسطيني أن ما يجري في الضفة الغربية “حرب حقيقية بشكل صامت عنوانها المستوطنون”.

وتمنع السلطات الإسرائيلية البناء أو استصلاح الأراضي في المناطق المصنفة “ج”، دون تراخيص منها، والتي من شبه المستحيل الحصول عليها، وفق تقارير حقوقية.

وصنفت اتفاقية أوسلو (1993) أراضي الضفة 3 مناطق وهي “أ” تخضع لسيطرة فلسطينية كاملة، و”ب” تخضع لسيطرة أمنية إسرائيلية ومدنية وإدارية فلسطينية، و”ج” تخضع لسيطرة مدنية وإدارية وأمنية إسرائيلية، وتقدر بنحو 60 بالمئة من مساحة الضفة.

وأردف الوزير الفلسطيني: “الزيتون يرمز لنا كشعب وأرض، بالإضافة إلى أنه موسم اقتصادي واجتماعي وثقافي”.

وعادة ما يشن مستوطنون هجمات على المزارعين الفلسطينيين وحقولهم، وتتزايد تلك الهجمات مع موسم قطف ثمار الزيتون.

وبناء على ذلك حذر خبراء أمميون من أن المزارعين في الضفة الغربية المحتلة يواجهون هذا العام أخطر موسم زيتون على الإطلاق، وأنهم يتعرضون للترهيب وتقييد الوصول إلى الأراضي والمضايقات الشديدة والهجمات من المستوطنين المسلحين.

وحذر تقرير للأمم المتحدة من كون الموسم الحالي هو الأخطر على الفلسطينيين ومحاصيل أشجار الزيتون، في ظل ما تشهده مدن وقرى الضفة من تطورات توصف بالدامية، وغير المسبوقة منذ عقود طويلة.