من يتحمّل المسؤولية.. هل استفاد المنتج السوري من أكبر نافذة للتصدير في العالم؟
علي عبود
على الرغم من مرور أكثر من 13 عاماً على فرض الحصار والعقوبات على سورية، لا يزال معظم تجار وصناعيي القطاع الخاص غير مقتنعين بجدوى التوجه شرقاً، بل إن الكثيرين منهم يراهن على عودة العلاقات الاقتصادية الطبيعية مع الأسواق الغربية.
ولم يُغيّر هؤلاء رأيهم حتى بعد انطلاق تكتل (بريكس+) الذي تفوق إمكانياته وقدراته على مستوى التجارة الدولية تكتل مجموعة الغرب (جي7)، فلا جدية ولا استعداد للتوجّه شرقاً الذي سبقتهم إليه منذ فترة قريبة حكومات إفريقيا وأمريكا اللاتينية، وحتى بعض الدول الخليجية!.
أكبر نافذة في العالم
وبدلاً من التذمّر والشكوى من العجز بتسويق المنتجات السورية، فإن معرض الصين الدولي للاستيراد الذي اختتم دورته السابعة مؤخراً، فتح أكبر نافذة في العالم للدول الراغبة بالتوجه شرقاً لكسر الحصار والعقوبات المفروضة عليها من أمريكا وأوروبا، ومع ذلك لا يزال تجار وصناعيو سورية غير جادين باستثمار هذه النافذة، والسؤال: لماذا؟.
وعندما يقوم تاجر واحد فقط بشراء كامل إنتاج شركة سورية مشاركة في المعرض، ويعلن عن رغبته بشراء كلّ ما تنتجه الشركة في الأعوام القادمة، فهذا يعني أن التّجار والصناعيين السوريين الذين تتمتّع منتجاتهم بالجودة والمواصفات العالمية يفوّتون فرصة ثمينة لكسر الحصار والعقوبات لتسويق منتجاتهم التي مهما بلغ حجمها لا تغطي سوى نسبة ضئيلة من أكبر سوق عالمي للمستوردات.
والسؤال هنا: من يتحمّل مسؤولية عدم الاستفادة من أكبر معرض للاستيراد في العالم؟.
للمرة الأولى
وبعد أن كانت المشاركة السورية في النسخات السابقة من معرض الصين الدولي تقتصر على مشاركات فردية، فقد نظّمت وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية المشاركة السورية لأول تحت رعاية حكومية ضمن فعاليات المعرض بنسخته السابعة ممثلة بهيئة دعم وتنمية الإنتاج المحلي والصادرات والمؤسّسة العامة للمعارض والأسواق الدولية، بجناح مساحته 132 متراً مربعاً ضمّ ممثلين من القطاعين العام والخاص، وتميّز بمشاركة 7 شركات سياحية و5 شركات رائدة في مجال الصناعات الغذائية وزيت الزيتون والزيوت الطبيعية ومواد التجميل الطبيعية والصابون.
ورأى رئيس الجالية السورية في الصين فيصل العطري أن معرض الصين الدولي للاستيراد من أهم المعارض العالمية، وأكد أن الصين سوق متعطّش وغنيّ ومتعاطف مع سورية، لكن الصين ككل الدول العظمى تضع معايير لدخول أسواقها، وخاصة ما يتعلق بالمنتجات الغذائية، ومن الضروري التواصل المباشر مع الشركات والسلاسل التجارية الصينية مما يسمح للمنتجات السورية أن تجد طريقها للمستوردين الصينيين، وهذا يساعد بتعزيز الصادرات السورية وزيادة حصتها في السوق الصينية.
مشاركات مشجعة
ربما أحد أسباب عزوف الكثير من التّجار والصناعيين عن المشاركة في معرض الصين الدولي للاستيراد، هو المسافة البعيدة من جهة، وعدم الجدية والمثابرة الضروريتين للتعريف بالمنتج السوري وفتح أسواق جديدة له من جهة أخرى، وهذا ما نجح فيه قلّة من المنتجين السوريين، فقد حصدوا أخيراً نتائج مواظبتهم على المشاركة في جميع دورات المعرض، ويفترض أن تكون تجاربهم مشجعة لنظرائهم غير المشاركين في المعرض حتى الآن.
وفي هذا السياق حصدت سيدة الأعمال السورية رولا علي أديب أكبر طلبية لشركتها “بيوشام”، فحسب تقرير لوكالة “شينخوا” الصينية اتصل رجل أعمال بها وطلب نحو 10 آلاف زجاجة من الهيدروسيل ومنتجات الزيوت الطبيعية “الورد واللاغندر” بقيمة 40 ألف دولار، وأكد عزمه على الاستمرار في شراء المزيد من المنتجات بعد موسم حصاد الورد في العام المقبل.
وكشفت السيدة أديب أنها لم تتوقع هذا الإقبال الكبير من الزوار على منتجاتها إلى حدّ أن العيّنات التي أحضرتها نفدت خلال ساعات، وأشارت إلى أنها بالتعاون مع الشركاء الصينيين ستزيد الطاقة الإنتاجية للشركة، وكان لافتاً ما قالته السيدة في تصريح صحفي للوكالة الصينية: “لسنا مؤسّسة كبيرة ولكن لدينا منتجات عالية الجودة”، وهذا يعني أن المنتجات الجيدة ستسوّق مهما ارتفع ثمنها في سوق واسعة جداً كالصين.
كما تمكنت “الشركة السورية لزيت الزيتون المحدودة” خلال مشاركتها الأولى من تسويق كلّ الكمية التي جلبتها، وقال رئيس مجلس إدارتها إنه بالتعاون مع شركة “شيلا” الصينية للاستيراد والتصدير بمدينة “تشجيانع” قامت الشركة بتصدير 9 حاويات قياسية من زيت الزيتون الجاهز إلى الصين خلال السنوات القليلة الماضية بقيمة 15 مليون يوان.
من لبّى الدعوة؟
لقد دعت هيئة دعم وتنمية الإنتاج المحلي والصادرات، والمؤسّسة العامة للمعارض والأسواق الدولية بالتعاون مع مجلس الأعمال السوري- الصيني، واتحادات غرف التجارة والصناعة في 14/5/2024 أصحاب الفعاليات الاقتصادية إلى المشاركة في معرض الصين الدولي بدورته السابعة، والسؤال: من لبّى دعوة الجهات المعنية بتسويق المنتجات السورية؟.
لقد كان أمام الفعاليات التجارية والصناعية ستة أشهر للتحضير للمشاركة الفعّالة في أكبر معرض يفتح الأبواب لمنتجاتهم لدخول أكبر سوق في العالم، ومع ذلك كانت المشاركة محدودة مقارنة بمشاركة أكثر من 128 دولة و500 مؤسسة رائدة في صناعاتها، فلماذا؟!.
آفاق مفتوحة
في هذا السياق أكد مدير هيئة دعم وتنمية الإنتاج المحلي والصادرات ثائر فياض، أن مشاركة سورية في المعرض تشكّل فرصة لعرض منتجات الشركات السورية والترويج لعلاماتها التجارية وعقد الصفقات واستطلاع الفرص، لتنمية وزيادة التعاون التجاري الدولي، وفرصة مميزة للتبادل التجاري.. إلخ، فلماذا لم يستفد العدد الأكبر من التّجار والصناعيين والمنتجين من هذه الفرصة الثمينة؟.
كما أكد رئيس لجنة العلاقات العامة في مجلس الأعمال السوري- الصيني محمد نذير الحفار أن المشاركة السورية في معرض الصين الدولي للاستيراد تفتح الأفق أمام الفعاليات الاقتصادية والتجارية للتعاون مع المستثمرين والشركاء من الجانب الصيني، ما يسهم في تطوير العلاقات التجارية الثنائية، فهل تجاوبت هذه الفعاليات مع هذه الآفاق المفتوحة أمامهم؟.
ماذا يُمكن أن نُصدّر إلى الصين؟
ومثلما تُعتبر الصين أكبر مصنّع للعالم، فهي أيضاً أكبر مستورد للسلع والمنتجات المختلفة، بدليل تنظيمها لمعرض سنوي للاستيراد يتيح للمصدّرين التعريف بمنتجاتهم التي يُمكن أن تستحوذ على اهتمام الشركات الصينية لتسويقها داخل بلادهم، والسؤال: إلى أيّ مستوى استأثر المعرض باهتمام التّجار والصناعيين للتعريف بمنتجاتهم؟.
ومن خلال ما تابعناه فإن المشاركة محدودة، وتكاد تقتصر على الصابون والزيوت العطرية وزيت الزيتون، وهي تعكس عدم الاهتمام باختراق أسواق جديدة وواسعة يمكن أن تستورد معظم منتجاتنا، فلا تزال الفعاليات التجارية والصناعية السورية تهتمّ بالأسواق القريبة التقليدية الضيقة، على الرغم من أن الكثير من المواد وخاصة الغذائية السورية تتمتّع بمواصفات تتيح لها دخول الأسواق الصينية بقليل من الجهد.
أين الشراكات الإستراتيجية؟
يرى المهتمون بالتصدير أن بإمكان سورية أن تصدّر للصين الفوسفات الخام والزيوت العطرية والصابون المصنّع من الزيوت الطبيعية والفواكه الطازجة والمجفّفة والخضار والفستق الحلبي والشوكولا، والمعلبات الغذائية والحلويات وأرجل الدجاج والألبسة القطنية.. إلخ.
ولتحقيق كلّ ذلك يجب الاستفادة من شبكة العلاقات التجارية بين الشركات السورية والصينية لبناء شراكات اقتصادية إستراتيجية لتسويق المنتجات السورية، ولكن للأسف هذا الأمر لم يُنجز حتى الآن!!.