هناك.. وهناك!!
بشير فرزان
من يطّلع على الكثير من التوجّهات والأفكار التي يتمّ تداولها، تنتابه حالة من الدهشة التي بدت على بطلة قصة “أليس في بلاد العجائب” حيث يكاد كلّ شيء في الاتجاه وعكسه، وبدلاً من التقدّم إلى الأمام كما يقول المنطق، وتتطلّب الظروف والتطلعات، نرى أن الأمور تراوح مكانها بل وتنزلق أحياناً إلى الوراء.
فهناك من يفكّر بوسائل النقل الكهربائية، في وقت لا يستطيع إنارة لمبة لمدة ثلاث ساعات متواصلة، وإزاحة العتمة من البيوت والشوارع، وما يزيد المعاناة ما تبشّر به المكاتب المسؤولة عن هذا القطاع بأن القادم (الشتاء) سيكون أسوأ مع زيادة “الحمولات الزائدة” على شبكات عملها.
وهناك من يحاول أن يحمي الحراج والأشجار بكافة أنواعها بالقرارات والعقوبات، في وقت يعجز عن إيقاف الحرائق المتكررة، وعن تأمين 50 ليتر مازوت للتدفئة، ويصرف وينفق مئات الملايين على زرع الغراس في كلّ عام.
وهناك من يؤكد أن عملية الإصلاح التربوي تسير بخطوات متسارعة نحو رسم خارطة جديدة، في وقت تعيش المدارس نقصاً في الكوادر التدريسية، ومع ذلك تستمر عمليات نقل المدرّسين “بالواسطة” خلافاً للقوانين التي تخترقها الاستثناءات وتفرغ المدارس من هياكلها التدريسية.
كما تُدفع ملايين الليرات على ما يُسمّى عمليات إصلاح القطاع العام الصناعي، في وقت لم يتبقَ من هدا القطاع إلا ما ندر من الشركات المتأرجحة بين خاسرة ومخسّرة ورابحة وحدّية، هذا عدا عن وزارة تستنزف الإمكانيات بوجودها الصوري على الخارطة الصناعية.
وهناك عشرات المؤسّسات النقابية و”الشعبية” التي تكتب المزيد من الشعارات وتصدح بالخطابات، في حين أنها ليست إلا مكاتب وكراسي تتخلى عن مهامها وتنتصر لغاياتها ومكاسبها وتحمل نعوش المطالب والآمال.. كما هناك مصفوفات ورقية تنطق بالإصلاح، في وقت يضاف فيه المزيد من التعقيدات والتحديات التي تعرقل حملات مكافحة الفساد لينتصر الإفساد وليتجذر الروتين.
وهناك حديث دائم عن المعاناة وقلّة الموارد والإمكانيات، في وقت تزدحم الشوارع والمؤسّسات بأفخم السيارات وبامتيازات الفيمية ونفقات بمئات الملايين على صيانتها ومحروقاتها، في حين أنها لا تنتج إلا الخطابات والوعود.
وهناك إعلام بلا هدف، وصناعة بلا هيكلية، وزراعة بلا دعم، وأسواق بلا حماية أو رقابة وقرار بلا تنفيد.. وووو.. بالمحصلة نتطلع إلى المرحلة القادمة من أبواب التفاؤل والأمل بأن القادم سيكون الأفضل، ولكن ذلك لن يلغي حقيقة تساؤلاتنا!!