النزوع الروحي الصوفي المغامر في “سفينة” محمد جبريل
حلب ـ أسماء خيرو
“سفينة الجزيري” عمل روائي للأديب محمد جبريل، قدم الأديب الدكتور أحمد زياد محبك قراءة أدبية للعمل، خلال فعالية ثقافية نظمها فرع حلب لاتحاد الكتاب العرب بالتعاون مع مديرية الثقافة في حلب.
واستهل الدكتور محبك قراءته بتقديم نبذة مختصرة عن حياة الكاتب محمد جبريل الأدبية والشخصية، متحدثاً عن علاقته الوطيدة بالكاتب، ومعداً أن رؤية “الجزيري” في الرواية للواقع رؤية حلمية ذات طابع ديني، مثالية أشبه ما تكون برؤيا إنسان بريء، هذه الرؤيا للواقع هي رؤيا لكل جيل وكل عصر وزمان ومكان وليست جديدة، تعدّ رؤية شعرية ميتافيزيقية لما وراء الطبيعة قبل أن تكون رؤيا واقعية.
وأشار الأديب محبك إلى أن افتتاح الرواية يدل على مناخها العام يكاد يلخصها وتتجلى فيه براعة الاستهلال ويقوم على الوصف، فالمقهى يطل على واقع المجتمع الغارق في البلادة والكسل، وإغلاق الأبواب يدل على انغلاق الحياة، وبرودة الجو تدل على غياب دف الحياة وحرارتها, وجلوس الرواد مكتفين بالإطلال على الخارج يدل على استلامهم للواقع في الداخل وعدم مغامرتهم للخروج، والضباب على الزجاج الذي يخفي الرؤية للطريق يدل على انعدام الرؤيا المستقبلية وهذا حال المجتمع كما تصوره الرواية.
ويؤكد الدكتور محبك أن اختيار “الجزيري” للسفينة للنجاة يدل على أن التفكير العقلي في المجتمع العربي محكوم بالتاريخ وتجارب التاريخ تسيطر عليه، مشيراً إلى أن الرواية تمتع القارئ في وصف ظاهر الشخصيات الوجه الملامح والصفات والاهتمام بالمظهر، لافتاً إلى أن الرواية تقيم تناصاً واضحاً مع قصة الطوفان وهو تناص يوازي القصة ويشير إليها إشارات فنية في مواضع مختلفة، لكن بعيداً عن المباشرة”.
وفيما يخص الأماكن المذكورة أضاف الأديب محبك أن الرواية تعبير عن حالات ومواقف، وتصوير متحرك يقوم على تقديم الشخصية من خلال المكان وتقديم المكان من خلال الشخصيات مع حمولات من المواقف والمشاعر الانفعالات القليلة الواضحة أو التي تتم عليها الأفعال في هذا التصوير الحي حيث يندمج فيه المكان بالشخصية وتندمج الشخصية بالمكان، فهما يشكلان معاً وحدة متكاملة لا يستطيع القارئ أن يفرق بينهما.
وبحسب الأديب محبك فإن شخصيات الرواية كثيرة ومتنوعة تجمعها البساطة وتنتمي إلى الشرائح الشعبية الدنيا بما تمتاز فيه من طيبة وبراءة، وقد وصفت الرواية الشخصيات في ملامحها المميزة وملابسها وعبرت عن دواخلها في منولوجات ومشاهد حوارية كما وصفت الأماكن وصفاً حياً، فضلاً عن الاهتمام بتسمية الأشخاص والأماكن والأزياء.
وبيّن الأديب محبك أن تسمية الشخصيات والأماكن ووصفها في الرواية يخرج القارئ من عالمه ويضعه في عالم الرواية ويثير طاقة الخيال لديه، فيرسم في ذهنه صورة للشخصيات يعيش معها ويتفاعل ويكتسب حساً بصرياً، فيرى الأماكن بعين الخيال ويتعرف عليها، فيكتشف بيئة لم يكن يعرفها من قبل ويحس فيها من خلال إحساس الشخصيات فيها ويستمتع بجمال اللغة، موضحاً أن الروائي في تصويره للجزيرة يعمد إلى استخدام أسلوب السؤال ليثير الخيال ويبعث على الحيرة ويوسع آفاق التوقعات، كما بين أن القارئ قد يظن أن الرواية تعالج أيديولوجيا مشكلة العمل الجماعي وكيف يولد من فكرة جريرية، وأن الرواية تسخر من نموذج “الجزيري” وفريق عمله لأنهم بسطاء لا يملكون دافعاً قوياً ولا هدفاً واضحاً، لكن ليس في الرواية شيء من هذا الإسقاط الأيديولوجي إلا إذا أريد تأويل الرواية ما يختلف وهي بعيدة في نظره عن هذا الفهم.
ولفت الأديب محبك إلى أنه قد يذهب الظن بالقارئ إلى أن الرواية مستوحاة من واقع الهجرة غير المشروعة في كثير من بلدان العالم ولاسيما من شواطئ جنوب البحر المتوسط إلى أوروبا في زوارق لا تساعدهم على السفر الطويل ودافعهم هو توهم الخلاص من أوضاع متخلفة في أوطانهم، متوهمين أنها جزيرة الخلاص، لكن ليس في الرواية ما يدعم ذلك إذ أنها غير مستوحاة من واقع الهجرة إلى أوروبا.
وأضاف الأديب محبك أنه “قد يذهب الظن بالقارئ إلى القول إن الرواية متأثرة بقصص حي بن يقظان و”روبنسون كروزو” ورحلات “جنيفر”، لكن ليس في الرواية شيء من هذا، فقط يمكن أن تصنف في أدب الرحلات، مضيفاً أن الاهتمام في رواية “سفينة الجزيري” ينصب على حلم الجزيرة وتوهمها وعلى طبيعة الركاب وشخصيتهم وهواجسهم وعلى الرحلة نفسها وما كان فيها من تحولات، أما الجزيرة فتظل سابحة في عالم من الخيال والتصور والوهم إلى أن تنتهي الرواية ولا يعرف القارئ كيف انتهت.
وختم الدكتور محبك بأن طوفان “سفينة الجزيري” طوفان الفساد، وأن “الجزيري” في الرواية يطمح إلى الروح والنقاء والخلاص من عالم المادة الموبوءة ويؤطر هذا النزوع الروحي الصوفي المغامر في الرواية لتكون نهاية الرواية قائمة على الوصف والسؤال، فلقد جاءت تعبيراً عن قلق “الجزيري” وحيرته وشكه وقلقه حول مصير الرحلة وتبدو نهاية الرواية مفتوحة على تساؤلات وللقارئ أن يضع إجابات وفق فهمه للرواية وتعامله مع أشخاصها.