اقتصادصحيفة البعث

النمو الاقتصادي لا يكون بـ “العقار”!

حسن النابلسي 

توجه الحكومة بوصلتها مجدداً نحو قطاع الإسكان الذي طالما شهد، ولا يزال، مزيداً من الفوضى سواء لجهة ارتفاع أسعار الوحدات السكنية والتجارية مقارنة مع دول الجوار – وربما دول العالم – في حال أخذنا مستوى الدخل بعين الاعتبار، أم لجهة انسياب كتلة مالية ضخمة من المسارات الإنتاجية وضخها في القطاع العقاري، أم لجهة تخمة هذا القطاع بعشوائيات نمت – ولا تزال – تحت مرأى الرقابة والجهات المعنية ولاسيما وزارة الإدارة المحلية ممثلة بالبلديات!

إذا ما أرادات الحكومة المعالجة الفعلية لتشوهات القطاع العقاري، عليها تشخيص مسببات ما أصابه من تشوهات وخلل وهي بالواقع كثيرة جداً، ونعتقد أن أبرزها – وهي محط نقاشنا في هذا المقام – هو استسهال الاستثمار في العقار وسهولة استرداد رأس المال مع أرباح مجزية، مقارنة بالاستثمار الزراعي والصناعي المحاط بتعقيدات ليس أولها الحصول على التراخيص وتأمين التمويل اللازم، ولا آخرها التسويق المتخم بصعوبات القدرة الشرائية محلياً، وبعدم الجدية بفتح منافذ تصديرية خارجياً؛ وما بين “أولها” و”آخرها”، يكمن الفساد القابع بتفاصيل ومجريات أي مشروع إنتاجي، ما أفضى بالنتيجة إما التوجه للاستثمار في العقار بالنسبة لمن آثر الاستثمار في البلاد، أو التوجه للبحث عن مطارح استثمارية في دول أخرى بالنسبة لمن آثر تنمية رأس ماله في بلدان تعرف من أين تؤكل الكتف!

طبعاً نحن لا نتحفظ على ما يتمتع به القطاع العقاري من ميزات استثمارية وتسهيلات حكومية جاذبة، وإنما نتحفظ على عدم تمتع قطاعي الزراعة والصناعة بهذه الميزات الحكومية والتي يفترض أن تكون الأولية لهما بالدرجة الأولى!

يضاف إلى ما سبق أن تفرد القطاع الخاص بالقطاع العقاري واستحواذه على ما نسبته 90% من أعمال الإنشاء وتواطؤ المجالس المحلية مع المقاولين في كثير من القضايا المتعلقة بالتخطيط العمراني، ولاسيما عدم احترام وجود مساحات خضراء وزيادة عدد الطوابق بشكل مخالف لضابطة البناء وإنشاء وحدات سكنية مشوهة عمرانياً.. إلخ، ساهم بشكل كبير بخلل هذا القطاع، ونجم عنه زيادة المعروض السكني غير المسكون، وبأسعار لا تتوافق أبداً مع القدرة الشرائية.. بمعنى أنه أُصيب بما يعرف بـ”الركود التضخمي”، والذي هو مزيج ما بين الركود (فائض بالعرض مقابل نقص بالطلب) والتضخم (الزيادة بالطلب الكلي عن العرض الكلي)، ما أدى إلى الارتفاع المستمر بالأسعار مقابل انخفاض القوة الشرائية!

إذاً.. نعتقد أن السبب الأكبر في تشوه قطاع الإسكان بشكل عام هو جذبه لكتلة مالية كبيرة لم يُحسن استثمارها بشكل منضبط ووفق الحاجة الفعلية، على حساب توظيف هذه الكتلة في المسارات الإنتاجية الحقيقية، فضلاً عن المتاجرة – وليس التجارة – من قبل الرامين لتنمية مدخراتهم ممن يُصطلح على تسميتهم “عقارياً” بـ”الشقيعة”!