ثقافةصحيفة البعث

“نهاية اللعبة” عبثية الوجود واستنساخ مرة أخرى

حمص ـ آصف إبراهيم

ينتمي العرض الثاني من عروض “مهرجان حمص المسرحي” بدورته الخامسة والعشرين إلى المسرح العبثي وفق مقوماته الفلسفية الوجودية، كمرآة تعكس الوجودية الإنسانية بعبثيتها وغرائبيتها ومأسويتها، هو “نهاية اللعبة”  إعداد وإخراج وتمثيل جواد عكلا مع أفرام دافيد،عن نص صموئيل بيكيت.

كنّا ننتظر من عكلا، في هذا العرض، تعديلاً أو إضافة ما تطور العرض سواء بالمضمون أم بالشكل عمّا قدمه في هذا النص منذ أكثر من عامين، عندما عرض في المكان ذاته ـ خشبة مسرح ثقافة حمص ـ، وقوبل حينها بإعجاب جماهيري لافت، لكنه آثر اليوم استنساخ العرض ذاته بشخصيتيه الرئيستين الاثنتين “هام” وخادمه “كلوف”، مستغنياً عن الشخصيتين الأخرتين في النص الأصلي واللتين لم يكن لهما دوراً جوهرياً يخدم بنية النص الأصلي الدرامية سوى في إضفاء جو من الكوميديا السوداء التي يمكن لنيل وناغ والدا هام العاجزين عن الحركة تحقيقه.

“نهاية اللعبة” هي أكثر من مسرحية، إنها واحدة من روائع الأدب العالمي، بالإضافة إلى كونها عملاً رائداً في تاريخ المسرح العبثي والتعامل معه مسرحياً يحتاج إلى فهم عميق للشخصية والرسالة التي يمكن أن يستشفها الممثل من هكذا ثرثرة غير مبنية على قواعد حكائية منطقية تفرض على الممثل بذل مجهود مضاعف للوصول إلى إقناع المتلقي، لهذا كان من الأجدى لبطلي العرض الاستفادة من نجاح تجربتهم السابقة لتكوين بناء درامي حيوي متكامل أكثر تماسكاً وفهماً كأن يستفيد من الإضاءة والمؤثرات الصوتية إلى أقصى حد، ولاسيما توظيف الموسيقا التصويرية لإعطاء الجمل الشعرية عمقاً عاطفياً وإنسانياً، كذلك تصميم ديكور بسيط يحاكي أجواء غرفة مغلقة بنوافذ عالية وصغيرة، بدلاً من الدوران في فضاء الخشبة المفتوح والواسع والفارغ إلا من سلم ينشغل فيه “كلوف” طيلة الوقت، يحمله حيناً ويصعد عليه بلا معنى حيناً آخر، للإيهام بأنّهما محبوسان ضمن أربعة جدران ولا يستطيع “كلوف المبصر” معرفة الخارج سوى من خلال الصعود إلى السلم.

يبذل جواد عكلا وإفرام دافيد مجهوداً كبيراً ليضعانا أمام عرض مميز يثير لدينا أسئلة عن جدوى وجودنا وسط هذا الخراب الذي نعيشه، وجودنا أمام بؤس الإنسان ووحدته وعجزه عن فهم حياة يعيش فيها من غير أن يتمكّن من التحكّم بسيرورتها، أو حتى إيقاعها، كأن الإنسان يولد لينتظر مصيراً محتماً، لا مهرب منه “لا يوجد خارج هذه الجدران إلا الموت” و”التعاسة هي أكثر لطفاً من هذا العالم”، هذا ما يقوله “هام” العاجز والضرير لخادمه “كلوف” ضمن نقاش غير مبني على أسس حكائية معينة ولا يأخذك إلى مكان معين، بل هو مجرد تراجيديا أقرب إلى المسرح الشعري، تعبر عن قلق الإنسان من مصيره و مغزى حياته.

لا تقوم المسرحية على مقدمة ولا عقدة ولا أحداث، إنما تعتمد على الكلام أو بالأحرى الثرثرة التي تأخذ مكان الفعل، أمّا اللغة التي يتشكل منها هذا النص البيكيتي البديع، فتتمرّد على دورها الأصلي لتمثّل الصمت بدلاً من التعبير، والتقاطع بدلاً من التواصل، والهدم بدلاً من البناء، إنها لغة تتحول مع “بيكيت” من أداة تواصل إلى انفصال يُعمّق عزلة الشخصيات داخل مكانها المغلق.

إنه نص من أصعب النصوص المسرحية وأكثرها عمقاً وعبثاً والتعامل معه يتطلب ممثلاً يمتلك موهبة كبيرة وأدوات تمثيلية استثنائية، قد يكون نجح ممثلا “نهاية اللعبة” في امتلاكها.