دراساتصحيفة البعث

اختلال التوازن التجاري العالمي يحتاج إلى التعاون

عائدة أسعد

تتصاعد التوترات الجيوسياسية، حيث تنتقد الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية الأخرى الصين بسبب فائضها التجاري المتزايد، مقابل الدول الأخرى، وما يسمى بالقدرة الصناعية الزائدة، وهذه القضايا ليست سوى لقطات من التحديات الهيكلية الأوسع التي تواجه الاقتصاد العالمي.

وفي ظل التعافي الاقتصادي العالمي البطيء، والابتكار التكنولوجي غير المتكافئ، وانقطاعات سلسلة التوريد، تواجه في جميع أنحاء العالم تحديات هائلة، وقد أصبح التعاون ضرورياً الآن أكثر من أي وقت مضى، وبدلاً من إثارة المواجهة، تحتاج البلدان إلى العمل معاً لحل خلافاتها، وتشجيع المنافسة الإيجابية التي تؤدي إلى الرخاء المشترك.

إن الطريق إلى التعافي الاقتصادي غير متكافئ عبر البلدان لأن كل اقتصاد ينمو بوتيرة مختلفة، وقد أدى هذا إلى اختلال التوازن التجاري، فخلال جائحة كوفيد-19، على سبيل المثال، قامت العديد من البلدان بتوسيع الإنتاج لتحقيق الاستقرار في اقتصاداتها، مما أدى إلى زيادة القدرة واختلال التوازن التجاري، الأمر الذي يستغرق وقتاً لتصحيحه، وزادت الصين إنتاجها في قطاع التصنيع لتلبية الطلب العالمي أثناء الجائحة، مما تسبب في ارتفاع فائض حسابها الجاري من الناتج المحلي الإجمالي، ولكن مع تعافي الإقتصادات في جميع أنحاء العالم، انخفض الرقم من 2% إلى 1.4٪ في عام 2023، وهو مستمر في الانخفاض، مما يسلط الضوء على قدرة السوق على التصحيح الذاتي.

ولكن إنجازات الصين في قطاعات مثل المركبات الكهربائية، وبطاريات المركبات الكهربائية، ومعدات الطاقة الشمسية الكهروضوئية – أو ثلاثي الطاقة الجديدة – تعكس التأثير الإيجابي للتعاون والتنسيق بين دعم السياسات والمنافسة في السوق، وليس التشويه الحكومي، إذ لطالما التزمت الصين بمبدأ الحياد التنافسي، والذي مكّن الشركات المتعددة الجنسيات مثل تسلا وإيكو غرين إنيرجي من العمل بحرية والتنافس ضد الشركات المحلية في الصين.

لقد سهلت إعانات الصناعة الخضراء الموجهة للمستهلكين انتقال الصين إلى الطاقة المتجددة بما يتماشى مع التزامها بتحقيق هدفيها المناخيين. وفي الواقع، خلق قطاع الطاقة المتجددة في الصين فرصاً للنمو للشركات المحلية والأجنبية على حد سواء. ووفقاً للوكالة الدولية للطاقة المتجددة، أدى تطوير الطاقة المتجددة في الصين إلى خفض تكلفة تركيب الطاقة الشمسية الكهروضوئية لكل كيلووات في الساعة بنسبة 86٪ وتكلفة الكهرباء المستوية بنسبة 90٪ عن مستويات عام 2010 .

وكما يقول تقرير وكالة الطاقة الدولية حول توقعات السيارات الكهربائية العالمية لعام 2024، فإن الطلب على السيارات الكهربائية مزدهر، لكن الرحلة لاستبدال محركات الاحتراق الداخلي في اقتصادات مثل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة طويلة الأمد.

وعليه إن معالجة اختلال التوازن التجاري العالمي، ومشاكل القدرة الزائدة تتطلب الحوار والتعاون بين البلدان، لكن دولاً مثل الولايات المتحدة تتخذ تدابير حمائية، مثل فرض رسوم جمركية إضافية على المنتجات الصينية، بدلاً من البحث عن حلول للمشاكل، وهي من خلال القيام بذلك تقوض فرص حل حتى القضايا الأساسية.

وحسب المحللين في المجال الإقتصادي، يتعين على الصين نظراً لهذه الحقائق، أن تحافظ على رباطة جأشها الإستراتيجية، وأن تعزز التعاون دون الخجل من المنافسة، وأن تتجنب المواجهة غير الضرورية، كما يتعين عليها أن تستمر في دعم العولمة الاقتصادية، ومعارضة الحمائية التجارية، وتسمية البلدان التي تسيء استخدام تدابير مكافحة الدعم والتعريفات الجمركية، لأن تعزيز موقف الصين بشأن التجارة المفتوحة أمر بالغ الأهمية لمواجهة الخطاب الحمائي.

ويتعين على الصين أن تتخذ التدابير اللازمة لمواءمة سياساتها مع السياسات الدولية، ومراجعة سياستها بشأن الدعم، ومن خلال اتخاذ تدابير مضادة ضد العقوبات غير العادلة، وتقديم الإغاثة للشركات الصينية المتضررة، تستطيع الصين أن تردع البلدان الأخرى عن اللجوء إلى التدابير الحمائية.

كما يرى المحللون أنه يتعين عليها أيضاً أن تتعاون بشكل استباقي مع منظمة التجارة العالمية، من أجل حماية المصالح الوطنية بشكل أفضل باستخدام الآليات المتعددة الأطراف الراسخة، ومن خلال دعم الشركات المحلية التي تواجه تحقيقات من جانب الولايات المتحدة أو غيرها من الدول الغربية، ومساعدتها على استشارة خبراء التجارة الدولية لتعزيز قضاياها، تستطيع الصين أن تدافع عن أعمالها، وتضمن حصولها على الموارد اللازمة لمواجهة السياسات التمييزية.

ولمعالجة اختلالات التجارة العالمية بشكل فعّال، يرى المحللون أنه يتعين على الصين أن تستخدم مكانتها كلاعب رئيسي في الاقتصاد العالمي لتعزيز الانفتاح والشمول، والمشاركة بشكل أكثر نشاطاً في وضع القواعد الاقتصادية العالمية، وتسهيل إصلاحات منظمة التجارة العالمية، وخاصةً في المجالات الحاسمة مثل الإعانات، وسياسة المنافسة. ومن خلال توسيع اتفاقيات التجارة الحرة والاستثمار في مجالات مثل الاقتصاد الرقمي والذكاء الاصطناعي وحقوق الملكية الفكرية، يمكن للصين بناء توافقات حول معايير عالمية جديدة ودفعها إلى الأمام.

ومن خلال تنويع مصادر الاستيراد، وخاصةً في قطاعات مثل التصنيع المتقدم والزراعة عالية الجودة والإلكترونيات، تستطيع الصين تلبية الطلب الاستهلاكي المتزايد مع خلق فرص النمو لكل من الشركات المحلية والأجنبية، وتستطيع الصين جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية، وتسهيل النمو المتبادل من خلال المزيد من الانفتاح الاقتصادي في مجالات مثل الرعاية الصحية والاتصالات والمنتجات الثقافية.

وعلاوة على ذلك، تستطيع الصين- من خلال تشجيع الشركات الصينية على تعميق مشاركتها في مشاريع الحزام والطريق التي تعتمد على الجودة والتي تعطي الأولوية للتكنولوجيا والخبرة الإدارية- أن تفيد السوق العالمية. ومن خلال تعزيز العمليات المحلية لمساعدة الشركات على تقديم خدمات أفضل والتكامل مع البلدان المضيفة، يمكنها مساعدتها على شحذ قدرتها التنافسية في السوق العالمية، ومن خلال العمل جنباً إلى جنب مع الدول الأخرى، تستطيع الشركات الصينية المساعدة في سد الفجوة التكنولوجية، وتعزيز التحول الأخضر في البلدان الأخرى، وبالتالي الاستفادة من الاقتصاد العالمي.

إن جهود الصين لتصحيح اختلال التوازن التجاري ستساعد في تعزيز دورها كقوة استقرار في السوق العالمية، ومن خلال تعزيز الشفافية وممارسة الحياد التنافسي وتعزيز التعاون، تستطيع تعزيز اقتصاد عالمي شامل يتماشى مع مصالح جميع البلدان، ويسهل النمو المشترك، ويضع نفسها كنموذج للتقدم التعاوني.