نتنياهو.. مجرم مطلوب للجنائية الدولية
علي اليوسف
لأول مرة في تاريخ الصراع الفلسطيني- الصهيوني تنتصر منظمة دولية لمظلمة شعب لطالما رفع صوته أمام المحافل الدولية عما تفعله آلة الإجرام الصهيونية بدولة كانت في يوم من الأيام موئلاً لكافة الأديان السماوية ومكاناً للعيش المشترك. نعم كانت فلسطين – مهد السيد المسيح – حاضنة حقيقية للتسامح، لكن الكيان الصهيوني أوغل في فلسطين التاريخية، وقلب الحقائق عبر القتل والتدمير والتهجير حتى الأمس حين أصدرت الجنائية الدولية قراراً تاريخياً باعتقال رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، ووزير حربه السابق يوآف غالانت.
الأمر لا يقتصر على الاعتقال، بل إن الأمر أكبر من ذلك، لأن الحديث عن أكبر شخصية في “إسرائيل”، وهذا يعدّ اتهاما لكل الإسرائيليين الذين شاركوا في الحرب على غزة، وأن نسبة كبيرة من الإسرائيليين هم جنود في الجيش الإسرائيلي ويمتلكون جنسيات مزدوجة، وهذا يشكل ضغطاً على أوروبا بشكل خاص كونها ملزمة بالتعامل معهم، وإلا ستفقد المحكمة قوتها ومصداقيتها.
لا شك أن هذا القرار التاريخي سيفرض على الإسرائيليين مزيداً من العزلة الدولية، لأنه شكل صفعة وضربة قوية وجهت لجبروت وغرور نتنياهو وعصابته المتطرفة، ومهما كانت نتيجة قرار الاعتقال بحق نتنياهو وغالانت بسبب ارتكابهما جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، وحتى إن لم يتم اعتقالهما طوال حياتهما، فإن الأهمية تكمن في أنه يُعد اعترافاً صريحاً وعالمياً بأنهما مجرما حرب، وأن ما ينفذه الجيش الإسرائيلي في غزة هو جريمة حرب بكل المقاييس، ما يزيد الضغوط الدولية لإيقاف التطهير العرقي في القطاع، بل ربما تشكل تصعيداً دراماتيكياً للإجراءات القانونية، لأنه من شأن إصدار مذكرات الاعتقال أيضاً أن يدعم الدعاوى القانونية التي تطالب بفرض حظر على الأسلحة في أماكن أخرى، إذ إن عدداً من الدول لديها أحكام ضد بيع الأسلحة إلى دول قد تستخدمها بطرق تنتهك القانون الإنساني الدولي.
وعليه، فإن هذا القرار ألقى بظلاله على المشهد الدولي، وبات هناك إجماع على ضرورة احترام مذكرة الجنائية الدولية وتنفيذ مضمونها، من منطلق مراعاة القانون الدولي، وبالتالي فإنّ العالم سيضيق أكثر فأكثر على كل من نتنياهو وغالانت، رغم دعم الولايات المتحدة لهما، فاليوم تعزّزت صورة نتنياهو بوصفه شخصية منبوذة على الساحة الدولية. صحيح أن نتنياهو وغالانت – ربما لن يتعرضا للاعتقال إن سافرا إلى دول حليفة لـ “إسرائيل” – إلا أن مذكرة المحكمة الجنائية الدولية كانت بمثابة انتصار أخلاقي لفلسطين وللعدالة الدولية ولحقوق الإنسان أكثر من أي شيء آخر، بل هي خطوة لاستعادة مصداقية النظام الدولي القائم على القواعد ونظامه القضائي. فالقرار سابقة تاريخيّة مهمة، وتصحيح لمسار طويل من الظلم التاريخي للشعب الفلسطيني، وحالة التغاضي المريب عن انتهاكات بشعة يتعرّض لها طيلة ستةٍ وسبعين عاماً من الاحتلال، بل هي لحظة فارقة تتطلب فعّلاً دولياً فورياً ومؤثراً لوقف العدوان الإسرائيلي على غزة، ورسالة للمجتمع الدولي بضرورة وقف المجازر ضد الشعب الفلسطيني؛ حتى أن هذا القرار التاريخي سيسهم في تعزيز سمعة المؤسسات الدولية في بلدان الجنوب العالمي، التي تتعرض للنقد بين حين وآخر، على خلفية اعتبار تلك المؤسسات أدوات في يد الغرب، لأنّ أوامر الاعتقال تعزز شرعية المؤسسات الدولية التي تعرّضت للضرر بفعل العديد من الإخفاقات السابقة، وأنّ ما جرى سيفضي إلى إحياء الشعور بإمكانية تطبيق القانون بشكل متّسق حتّى على البلدان الغربية، أو تلك التي تدعمها الولايات المتحدة.