دراساتصحيفة البعث

تأييد الفلسطينيين ليس جريمة.. بريطانيا تقمع الصحافة

هيفاء علي

يتساءل ديس فرديمان، أستاذ الإعلام والاتصالات في جامعة “غولدسميث” في لندن لماذا لا تقوم وسائل الإعلام البريطانية بتغطية حملة القمع ضد الصحفيين المؤيدين للفلسطينيين في بريطانيا؟

فقبل أحد عشر يوماً داهم ضباط من وحدة مكافحة الإرهاب في شرطة العاصمة منزل آسا وينستانلي، وهو صحفي معروف مؤيد للفلسطينيين يعمل في الانتفاضة الإلكترونية، وصادروا أجهزته بموجب أحكام المملكة المتحدة قانون الإرهاب. وتلقى وينستانلي رسالة تفيد بأن البحث كان جزءاً من عملية متواصلة، وهي مبادرة لمكافحة الإرهاب لا يُعرف عنها سوى القليل.

وأشار فريدمان إلى أنه ليست هذه المرة الأولى التي يتم فيها استخدام قوانين مكافحة الإرهاب لمحاولة إسكات الأصوات المؤيدة للفلسطينيين في الأشهر الأخيرة، ويأتي ذلك بعد اعتقال ريتشارد ميدهيرست في مطار هيثرو واعتقال سارة ويلكنسون في آب 2024، وهما صحفيتان مستقلتان مرتبطتان على نطاق واسع بإدانة العدوان الإسرائيلي المتواصل ضد الفلسطينيين، ومؤكداً أن الهجمات ضد الصحفيين هي جزء من سياق أوسع من مضايقة الناشطين المؤيدين للفلسطينيين.

وسلط الضوء على جرائم حكومة الاحتلال الإسرائيلية: “القتل، والفوضى، والإبادة الجماعية، والعنصرية، والدمار، هذا ما يعرفون كيف يفعلونه، ويوجد حالياً ستة عشر عضواً آخر في منظمة العمل الفلسطيني محتجزين، تمت إدانة خمسة منهم فقط، والباقون في الحبس الاحتياطي.

 التعتيم الإعلامي

رداً على هذه الهجمات الفاضحة على قدرة الصحفيين على القيام بعملهم، أشارت منظمة “ديكلاسيفيد يو كي ” إلى أن هذه الهجمات تشكل “جزءاً من تطور شرير له آثار خطيرة على الحريات المدنية وحرية التعبير، ولكن تم تجاهله من قبل وسائل الإعلام الرئيسية، ولا يزال هذا هو الحال”.  ولم تتحدث أي وسيلة إعلامية في المملكة المتحدة عن مراقبة الشرطة للصحفيين البريطانيين المؤيدين للفلسطينيين، ولم يفكر أي منهم في التحقيق فيما قد تعنيه عملية الاستمرارية بالنسبة لحرية الصحافة.

لم يفكر أحد منهم في السابقة المتمثلة في استخدام قوانين مكافحة الإرهاب لمعاقبة التقارير الصحفية التي تتحدث عن غزة.

في المقابل، فإن وسائل الإعلام الرئيسية أكثر استعداداً لنشر تقارير عن مداهمات الشرطة عندما تتم خارج المملكة المتحدة، فقد نشرت صحيفة “الغارديان”، على سبيل المثال، العديد من المقالات حول اعتقال الصحفيين في الخارج، ولا سيما في روسيا والصين والصومال والهند، في حين أفادت هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” بمضايقة الصحفيين في كمبوديا وفنزويلا وإيران، لكنها تمارس التعتيم الكامل على اعتقال الصحفيين المؤيدين لفلسطين في بريطانيا، وكان الاستثناء الأخير لهذه القاعدة هو التغطية واسعة النطاق في تشرين الثاني 2023 لحكم المحكمة العليا الذي انتقد شرطة العاصمة لقيامها بمداهمة لمكافحة الإرهاب على صحفي مستقل في تموز من ذلك العام.

ولم تقدم المؤسسات الإخبارية مثل هذا الدعم للصحفيين المؤيدين للفلسطينيين الذين واجهوا إجراءات مماثلة من جانب الشرطة،  بل من المرجح أن يركز اهتمام الصحافة باستخدام قانون الإرهاب على الحكم على المتظاهرين المؤيدين للفلسطينيين الذين عرضوا رموزاً مؤيدة للمقاومة الفلسطينية خلال مسيرة بدلاً من التركيز على التنديد بالمضايقات غير المبررة من قبل الدولة. وبدلاً من ذلك، كان الناشطون الصحفيون والنقابات والمنظمات غير الحكومية هم الذين نشروا المداهمات والاعتقالات التي طالت الصحفيين المؤيدين للفلسطينيين، وأدانت نقابة الصحفيين الاستخدام المتزايد لتشريعات مكافحة الإرهاب ضد الصحفيين كإجراء للترهيب يضر بصحافة المصلحة العامة وحرية الصحافة، وقد ردت لجنة حماية الصحفيين على بحث آسا وينستانلي بالمطالبة بإعادة جميع أجهزته إليه على الفور.

ولفتت اللجنة إلى أنه بدلاً من تعريض سرية المصادر الصحفية للخطر، يجب على السلطات وضع ضمانات لمنع التحقيقات غير القانونية مع الصحفيين وضمان قدرتهم على القيام بعملهم دون تدخل. ومن ناحية أخرى، يسود الصمت داخل المؤسسة الصحفية التي يتلخص شعارها، كما قال أحد المعلقين في صحيفة “ديلي ميل” ذات يوم، في أن “حرية التعبير هي حجر الزاوية في مجتمع حر”.

ولكن يبدو أن حرية التعبير محفوظة لبعض الصحفيين، وبالتأكيد ليس للجميع، وباتت مضايقات الدولة -سواء الرسمية أو غير الرسمية -تشكل تهديداً حقيقياً للصحفيين الذين ينشرون تحديات للوضع الراهن، لا سيما على وسائل الإعلام، قضايا السياسة الخارجية. كل هذا دفع الأستاذ الجامعي إلى وصف بريطانيا بأنه بلد تتجسس فيه الشرطة بانتظام على الصحفيين المثيرين للمشاكل.

وفي نهاية المطاف، هذا هو البلد الذي سجن جوليان أسانج لأكثر من خمس سنوات بتهمة انتهاك القواعد. إنها دولة تدير نظاماً “طوعياً” للرقابة على الصحافة فيما يتعلق بالمسائل العسكرية من خلال اللجنة الاستشارية لوسائل الإعلام الدفاعية والأمنية، والتي يسعد معظم المحررين بالامتثال لها.

وأضاف أنها دولة تكون فيها وسائل الإعلام إما مملوكة للمليارديرات وأقطاب التكنولوجيا، أو تديرها هيئة إذاعية عامة لها علاقات وثيقة بالحكومة الحاكمة. إنها دولة تتجسس فيها الشرطة بانتظام على “الصحفيين المثيرين للمشاكل”، كما حدث مؤخراً مع الكشف عن تورط جهاز شرطة أيرلندا الشمالية في مراقبة سرية وتستر لأكثر من عشر سنوات، قبل أن يتم اكتشافه بفضل الشرطة. لذا، عندما يعلن كير ستارمر أنه “لا يوجد تهديد مباشر لحريات الصحافة في بلادنا”، يجب أن يؤخذ هذا التصريح بقدر أكبر من الحذر.

ويتابع فريدمان: كما رأينا، فإن التهديدات “غير المباشرة” التي يشكلها قانون مكافحة الإرهاب والطبيعة المركزة لملكية وسائل الإعلام كبيرة بما فيه الكفاية. لا يوجد مجال كبير للتهاون عندما يتعلق الأمر بالإجراءات التي تكون الدولة على استعداد لاتخاذها لإسكات الصحفيين الذين تعتبرهم “تهديداً مباشراً” لسياسة خارجية سهلت ودعمت العدوان الإسرائيلي الوحشي على غزة، وإضرام النيران في الشرق الأوسط. ومع ذلك، لا يبدو أن مهمة الدولة ستصبح أسهل.

تشير رسالة نشرت في صحيفة “الإندبندنت” من 230 عضواً في صناعة الإعلام، بما في ذلك أكثر من 101 من موظفي “بي بي سي” المجهولين، يشكون من التغطية الإعلامية المتحيزة “لإسرائيل”، إلى أن معارضة الإبادة الجماعية تتزايد وتشمل عدداً كبيراً من الصحفيين. وبالتالي، قد تكون الحركة المؤيدة للفلسطينيين مهددة، لكن لا يبدو أنها ستنتهي في أي وقت قريب.