القضاء على العنف ضد المرأة بالوعي والتثقيف
د. معن منيف سليمان
يحتفل العالم في 25 تشرين الثاني من كل عام باليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة، وتمّ تحديد هذا اليوم من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1999 لزيادة الوعي والتثقيف بأشكال العنف الذي تتعرّض له النساء والفتيات في مختلف أنحاء العالم، وتعزيز الجهود المبذولة لمكافحة هذا العنف والعمل على إنهائه.
ويقام سنوياً في المدة من 25 تشرين الثاني إلى 10 كانون الأول، حملة تحت شعار “ستة عشر يوماً لمناهضة العنف ضد المرأة”، تهدف إلى إبراز التحديات التي تواجهها النساء في مجال العنف وتعزيز الوعي والتصدي لهذه المشكلة، إذ يتمّ اختيار هذه المدة لأنها تشمل العديد من الأحداث الدولية المهمّة المرتبطة بحقوق المرأة، مثل اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة في 25 تشرين الثاني واليوم العالمي لحقوق الإنسان في 10 كانون الأول.
أتى هذا التاريخ من عملية الاغتيال الوحشية في عام 1960، للأخوات “ميرابال” الناشطات السياسيات في جمهورية الدومنيكان -تلك الجمهورية الصغيرة الواقعة في الكاريبي على مشارف كوبا وهايتي- بأوامر من ديكتاتور الدومنيكان “رافاييل تروخيلو” (1930- 1961)، لتصبح تلك الحادثة لاحقاً إلهاماً للعالم فيما يتعلق بقضايا مناهضة العنف ضدّ المرأة.
وبشكل عام، يظهر العنف ضد المرأة في أشكال جسدية وجنسية ونفسية وتشمل: عنف العشير (الضرب، والإساءة النفسية، وقتل النساء)؛ والعنف والتحرش (الزواج القسري، التحرش في الشوارع، الملاحقة، المضايقة الإلكترونية)؛ والاتجار بالبشر (العبودية والاستغلال).
وتؤثر العواقب السلبية المترتبة عن العنف ضد المرأة والفتاة على صحة النساء النفسية والإنجابية في جميع مراحل حياتهن. على سبيل المثال، لا تمثل سلبيات انعدام التعليم المبكر العائق الرئيسي لحق الفتيات في التعليم وتعميمه فقط، بل في النهاية تقيّد الوصول إلى التعليم العالي وتؤدي إلى محدودية خلق فرص الشغل للمرأة داخل سوق العمل.
والعنف ضد المرأة يمكن أن يترك آثاراً كبيرة على الأسرة بأكملها، وعلى الأطفال بشكل خاص، فيتأثر الأطفال بشكل مباشر وغير مباشر بالعنف الذي تتعرّض له والدتهم. وذلك لأن الأطفال يتعلمون من المحيط الذي حولهم، وخاصةً الأم، فهي المعلم الأول لأطفالها وهي القدوة، فالمرأة المعنّفة المستضعفة المستسلِمة ستربي أطفالاً مستضعفين مستسلمين غير ناجحين في حياتهم الشخصية والعملية، أما المرأة المستقلة القوية فستربي أطفالاً أقوياء الشخصية ومستقلين وبالتالي ناجحين في حياتهم الشخصية والعملية.
وتتضمّن الآثار السلبية للعنف ضد النساء أبعاداً نفسية خطيرة، إذ تُسهم الممارسات العنيفة التي تتعرّض لها النساء في التقليل من شعورهن بقيمتهن الذاتية، ما يقلّل من ثقتهن بأنفسهن. وهذا يؤثر سلباً على صحتهن النفسية عبر تشتيت قدرتهن على التفكير بوضوح، ما يؤثر بدوره على قدرتهن على العمل بشكل مستقل وآمن داخل المجتمع.
إن أسباب العنف ضد المرأة متعدّدة ومعقدة، وتشمل العوامل الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسلطوية والتربوية. يتراوح سبب العنف من التمييز بسبب الجنس والتفوق الذكوري إلى الفقر والبطالة والتعليم غير المتاح والقوانين الضعيفة والتحيزات الثقافية.
وتُعدّ المناسبات الدولية والعالمية فرصاً مواتية لتثقيف الجمهور العام بشأن القضايا ذات الاهتمام، ولحشد الإرادة السياسية والموارد اللازمة لمعالجة المشكلات العالمية، وللاحتفال بإنجازات الإنسانية ولتعزيزها. واحتُفل ببعض هذه المناسبات الدولية قبل إنشاء منظمة الأمم المتحدة، إلا أن الأمم المتحدة احتضنت تلك المناسبات واعتمدت مزيداً منها بوصفها جميعاً أدوات قوية للدعوة.
وبالنسبة للأنشطة المناهضة للعنف ضد المرأة، يمكن تنظيم العديد من الأنشطة والفعاليات، مثل: تنظيم فعاليات ثقافية وفنية تقدّم فرصاً للفنانين والمبدعين للتعبير عن رفضهم للعنف ضد المرأة من خلال الفن والثقافة. يمكن تنظيم حفلات موسيقية، وعروض مسرحية، ومعارض فنية تسلط الضوء على هذه القضية. وتنظيم مسيرات ووقفات احتجاجية سلمية للتعبير عن التضامن والمطالبة بنهاية العنف ضد المرأة. وإقامة ندوات ومحاضرات توعوية حول أشكال العنف وكيفية التصدي له. وتنظيم ورشات عمل لتدريب النساء على مهارات الدفاع الذاتي والإبلاغ عن العنف، وكذلك إطلاق حملات إعلامية واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي لنشر الوعي وتبادل القصص والموارد المفيدة.
إن تشكيل الوعي وتثقيف الأطفال حول العنف ضد النساء يمثل خطوة حاسمة نحو تربية جيل قادم يتبنّى قيم الاحترام والتعاطف والمساواة، ومن خلال غرس قيم الرحمة والتمكين، نجهز الأطفال ليصبحوا مدافعين عن عالم خالٍ من العنف، حيث يتمّ الحفاظ على حقوق وكرامة كل فرد وحمايتها.