تحقيقاتصحيفة البعث

فوضى الأسعار تضرب الأسواق.. انتقاد حاد لآلية التسعير المتّبعة التي يشوبها بعض الفساد!

ليندا تلي

تقترب ليالي الشتاء القارسة رويداً رويداً، في وقت ينتظر المواطن المرهق بعض ليترات المازوت التي تجود بها الجهات المعنية، ويجب أن تكفيه فصل الشتاء بكامله وفق تصوّر الأخيرة، بينما التّجار يتابعون سباق الحلبة في من يستطيع كيّ جيب المواطن أكثر لإرواء جشعهم الذي فاق كل تصوّر، في حين تتوالى التصريحات والوعود بتحسين الوضع المعيشي، والناس بانتظار أن تترجم تلك الوعود إلى أفعال كما يقال “بيدوب التلج وبيبان المرج”؟.

شم ولا تدوق

آراء كثيرة تأفّفت من السنين العجاف التي أفقدت بطون أصحابها طعم الشبع، مطالبين بأدنى حقوق الإنسان الطبيعي، في حين تمّ إتخامهم بتصريحات ووعود، مترحّمين على السنوات الماضية قبل الحرب، حيث كان الخير فيها وفيراً، وبإمكان ربّ الأسرة إكساء أفراد عائلته من “البابوج إلى الطربوش” في كلّ موسم وخاصّة في موسم الشتاء، في حين يكتفون اليوم بمشاهدة واجهات المحلات وتأمّل الألبسة التي فاقت أسعارها دخلهم الشهري، حيث تراوح سعر الجواكيت “القماش” بين 350- 600 ألف ليرة، فيما تجاوز سعر جاكيت الجلد الأصلي الـمليون ليرة، بينما سعر الكنزات بين 100- 350 ألفاً، وسعر البنطال بين 300- 500 بحسب الماركة والجودة، في حين تجاوزت تكلفة المواصلات أو التنقل بين مركز العمل والبيت قيمة الدخل، وبلغ إيجار الغرفة الواحدة في أحياء دمشق العشوائية بين 300- 400 ألف غير مفروشة، في وقت تحتاج العائلة المكوّنة من أربعة أشخاص إلى ما يقارب الـ 10 ملايين شهرياً من مصروف مواصلات وتكاليف طعام، هذا في حال كان المنزل ملكاً لها لكي تعيش ضمن مستوى خط الفقر، واصفين الراتب بـ”الصدقة” التي لا تكفي يوماً واحداً على أبعد تقدير.

أسواق خارج السيطرة

أمين سرّ جمعية حماية المستهلك عبد الرزاق حبزة استعرض مفارقة بسيطة ومهمّة في الوقت ذاته، قائلاً:  كان فيما سبق هناك خطة سنوية مبرمجة وفق آلية معيّنة ودعم حكومي منضبط وانتظام القنوات التي يصل بها الدعم، مقابل فوضى عارمة حالياً، حيث باتت آلية الدعم غير جيدة وتعدّدت حلقات الوساطة، مضيفاً: فيما سبق كانت الحكومة مسيطرة على الأسواق حيث تستورد المواد الاستهلاكية، في حين فقدت السيطرة بسبب ضعف إمكانياتها المادية وبات التاجر هو المتحكّم بالسوق، إضافة إلى الإشكالات الكثيرة التي خلقها موضوع الصرف من حيث المحافظة على سعره وخلق قنوات كثيرة ومنصّة ومركزي، ما خلق نوعاً من الفساد لدى بعض المستفيدين، سواء بالتواطؤ مع الجهات الحكومية المعنية أو من خلال التلاعب من جهة تقديم فواتير غير نظامية وبيانات تكاليف غير صحيحة، مشيراً إلى أن ضعف دخل العاملين في الدولة أدّى إلى تشجيع الفساد، حيث تمّت المتاجرة بالمواد المقنّنة، إضافة لفشل عملية دمج مؤسّسات السورية للتجارة، إذ يتمّ استجرار المواد من التجار، إضافة لموضوع التمويل وسعر الصرف والتضخم الموجود في الأسواق، وعدم وجود تخطيط سليم، حيث كان التنفيذ سابقاً يصل إلى 50-90% في حين لا ينفذ شيء حالياً والبيانات غير دقيقة، عدا عن عدم وجود تنسيق بين الجهات المعنية كوزارتي المالية والتجارة الداخلية من جهة التسعير الذي تقوم به الوزارة والمبيعات الحقيقية وفق الربط الإلكتروني مع وزارة المالية.

تجار يلزمهم ضبط

واستغرب حبزة أن يتمّ اقتراح رفع يد وزارة التجارة الداخلية عن رقابة الأسواق بغية ضبطها، وفق ما اقترح اختصاصيون، واصفاً هذا الاقتراح بالكلام غير المنطقي وبأنّه نوع من التهرب، مؤكداً ضرورة مراقبتها بهدف توفر السلع وأن يكون التدخل الحكومي منضبطاً وفق تشاركية مع القطاع الخاص تحت سيطرة الحكومة، خاصّة وأنّ نسبة كبيرة من التّجار غير منضبطين ويلزمهم ضبطٌ، مشيراً إلى أنّ التسعير جيد لكن آلية التسعير المتّبعة سيئة ويشوبها بعض الفساد، ضارباً مثالاً “التاجر يقدم  فواتير غير صحيحة ويتمّ تصديقها من الجمارك، أي حين تقوم الوزارة بدراسة التسعيرة يتمّ إحضار فواتير غير صحيحة مغايرة تماماً للسعر في الأسواق”، إضافة لعدم وضع قوانين وتعليمات تنفيذية دقيقة، ما يفتح المجال لكلّ جهة بتفسير القوانين، كلّ على هواها.

وحذّر حبزة في سياق حديثه من مغبّة عدم الاستفادة من خبرات المجتمع الأهلي، وعدم التنسيق مع النخب وشرائح المجتمع المختلفة، ما يؤدي إلى فساد مبطّن، منوهاً بدور المجتمع الأهلي وخاصّة جمعية حماية المستهلك، مشدداً على ضرورة إعادة النظر بالقوانين والتعليمات التنفيذية.

هروب رأس المال

بدوره عرّج الخبير الاقتصادي جورج خزام على أسباب الخراب والوضع المعيشي السيّئ، والمتمثلة بعدم إعطاء الحرية المطلقة لرأس المال الوطني والأجنبي بالعمل، حيث يتمّ تبنّي سياسة تقييد حركة الأموال والبضائع وتقييد حركة بيع وشراء العقارات من قبل المصرف المركزي بحجّة تخفيض الطلب على الدولار، ولكن النتائج كانت كارثية على الإنتاج وعلى سعر صرف الليرة السورية، لأنّ رأس المال مثل الروح البشرية التي تحبّ الحرية وتهرب إلى حيث الضمانة والأمان بالعمل، كما أنّ الملاحقة من قبل التموين والجمارك وارتفاع الضرائب وتكاليف الإنتاج بصورة غير طبيعية أعلى بكثير من دول الجوار، هرّب رأس المال بالدولار للخارج حيث الحرية والأمان، خاصّة وأنّ قرار تقييد حرية سحب الأموال من المصارف كان له الأثر الأكبر بالتوقّف عن إيداع الأموال بالليرة السورية في المصارف والتحوّل للادّخار بالدولار والذهب في المنازل من أجل إتمام عمليات البيع والشراء بالأسواق.

إلغاء وإصدار

وعن القرارات الجديدة الواجب إصدارها وما يجب إلغاؤه من قرارات قديمة حتى نبدأ بالتفكير من خارج الصندوق لإنقاذ ما تبقّى من الاقتصاد الوطني، قال خزام: يجب إلغاء منصة تمويل المستوردات سيئة السمعة بالمركزي، وإلغاء تقييد حرية سحب الأموال من المصارف، وإلغاء قرار المركزي بتقييد حركة بيع وشراء العقارات، وقراره بالكشف عن مصدر تمويل المستوردات بالدولار من الأرصدة الخارجية بالمصارف الأجنبية، وقراره بمنع استيراد وتصدير قائمة طويلة من البضائع، واستلام القمح والشوندر السكري والقطن بالسعر العالمي، ومنع التموين منعاً باتاً من التدخّل بالتسعير، وأن ينحصر عمل الجمارك فقط بالمنافذ الحدودية، والسماح للقطاع الخاص باستيراد المشتقّات النفطية، وترك المستوردين يستوردون بضاعتهم دون أي سؤال عن طريقة تحويل ثمن بضاعتهم للخارج، وترك الأسعار بالأسواق تتحدّد بالقانون الأزلي لجميع أسواق العالم وهو العرض والطلب والمنافسة، ومنع الاحتكار والامتيازات الحصرية وخاصة العلف، وترك المستثمرين يقومون بتأسيس المصانع فوق أي أرض وتحت أي سماء ولو في الريف خارج المدينة الصناعية البعيدة، وتأسيس أي مصنع لا يحتاج لأي موافقة مهما كانت سوى توقيع واحد فقط لا غير من وزير الصناعة، وتأسيس عشرات التوربينات الهوائية غرب حمص.