اقتصادصحيفة البعث

ثلاث سنوات من الإعداد لسوق “الصغيرة ومتناهية الصغر”.. السجل الوطني للمشروعات أولوية والتمويل جزءٌ من كلّ

دمشق – قسيم دحدل

لم يكن موضوع التمويل الخاص بالمشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر، العنوان الرئيسي لورشة العمل التي أقامها مصرف سورية المركزي بالتعاون مع وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية، رغم أن موضوع التمويل كان المبرز للورشة، فما سبق الأخيرة وعلى مدار ثلاثة أعوام من عمل وتحضير وإعداد ودراسة لسوق هذا النوع من المشروعات – وفقاً لوزير الاقتصاد – هو العنوان الرئيسي الحقيقي، وما التمويل إلاَّ محور من محاور عديدة تكمن فيها كلّ منغصات هذا القطاع الذي كان من المفترض ضبطه وتنظيمه قانونياً واستثمارياً وإدارياً ومالياً، من سنوات طوال.

.. تأخر وتراخٍ دفعنا ثمنه غالياً، واليوم نحن على محكّ تظهير نتائج أعوام ثلاثة من الجهد والتعب لاستدراك كلّ متطلبات نجاح هذا القطاع (قطاع المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر)، لأخذ دوره في اقتصادنا الوطني، إذ إن ما اتفق عليه وبإجماع الكل، أنه القطاع الخيار الأقدر على تحقيق التنمية المستدامة وتحسين المستوى المعيشي لغالبية الشعب السوري، وبالتالي هو المعوّل عليه النهوض بالاقتصاد الوطني، وخاصة في ظل ضآلة المشاريع الكبرى وعدم قدرتها على إحداث الفوارق الاقتصادية والمالية والتشغيلة التي يُعتدّ بها، وفقاً لتقييمات الجهات الرسمية المختصة نفسها.

مهمة صعبة تخوضها وزارة الاقتصاد مع مصرفنا المركزي وهيئة تنمية تلك المشاريع، كون النجاح فيها يعني مسحاً لكل قطاع الظل على مساحة سورية، حيث يشكل هذا القطاع الحاضنة الأكبر للمشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر، لكنها حاضنة غير مضبوطة ولا منظمة استثمارياً ومالياً، ومخفية عن أية إحصائية دقيقة وأرقام واضحة وعن أية رقابة، حيث تغلب التقديرات على البيانات، وبالتالي غير محدّد المخرجات والمنعكسات الاقتصادية.

من هنا كان اعتبار معاونة وزير الاقتصاد لشؤون التنمية الاقتصادية والعلاجات الدولية، رانيا أحمد، إطلاق السجل الوطني للمشروعات أولوية من أولويات المرحلة الحالية، كونه سيوفر قاعدة بيانات شاملة ومتكاملة عن المشروعات في سورية، الأمر الذي سيساعد مزودي التمويل، ولاسيما مصارف التمويل الأصغر، في تقديم خدماتهم، في قطاع ترتفع فيه نسب المخاطرة عن سواه، وتزداد هذه النسب إلى حدّها الأعظمي في الحالة السورية المختلفة بتداعياتها وآثارها السلبية بعد سنوات الحرب الإرهابية المدمرة ومن ثم الحرب الاقتصادية المفروضة علينا حصاراً ومقاطعة.

وبحسب العرض الذي قدّمته وزارة الاقتصاد للإعلاميين، واعتبرته وثيقة مرجعية، ضمن الاستراتيجية الوطنية لدعم وتنمية المشروعات، انطلقت الوزارة فيما أعدّته حول واقع سوق المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر وآفاق تطويرها، من العمل على إعداد إطار تمويلي لتلك المشاريع، انطلاقاً من تشخيص الواقع الراهن لمصادر التمويل (المصرفية وغير المصرفية) سواء الحكومية منها أو غير الحكومية، ومن تحديد العقبات والتحديات التي تواجه أصحاب المشروعات متناهية الصغر والصغيرة ومزودي خدمات التمويل وسبل معالجتها، إضافة إلى الإضاءة على الفرص التي تمثل مصادر تمويل جديدة، كمنصات التمويل الجماعي وصناديق الاستثمار ورأس المال الُمُخاطر.. إلخ.

كذلك العمل على بناء شبكة وطنية تضمّ مقدّمي خدمات التمويل، يكون دورها الإسهام في ضمان تقديم خدمات التمويل بشكل مستدام لأصحاب المشروعات متناهية الصغر والصغيرة، وتحقيق التنسيق بين الجهات الإشرافية والرقابية بهدف وصول التمويل إلى المستفيدين بالشكل الأمثل، وذلك بالتوازي مع تعزيز البرامج الخاصة بدعم أسعار الفائدة للقروض الموجهة لتلك المشروعات وفق معايير استهداف تتوافق مع الأولويات.

وزارة الاقتصاد ومن خلال ما درسته من واقع للسوق، تهدف أيضاً إلى إعادة هيكلة منظومة الضمان للحصول على التمويل عبر مراجعة دور وآليات عمل مؤسّسة ضمان مخاطر القروض، وتعزيز دور شركات التأمين في هذا المجال، ودراسة مدى إمكانية خلق أدوات جديدة للضمانات عبر التعاونيات وغيرها، كذلك دراسة مدى كفاءة وفعالية الصناديق الحكومية في دعم المشروعات متناهية الصغر والصغيرة، وسبل تطوير دور كلّ منها في هذا المجال، بما في ذلك سبل تكامل عملها والحدّ من أية ازدواجية في أدوارها.

وهذا بالاتساق مع تعزيز سبل التعاون بين المؤسّسات المصرفية (إقراض بشكل مباشر أو تأمين مصادر سيولة وإقراض عن طريق مصارف التمويل الأصغر)، بهدف وصول التمويل إلى الفئات المستهدفة بما يضمن تحقيق النفاذ والشمول المالي، ولأجل ذلك يتمّ دراسة إصدار صك تشريعي خاص بإحداث مصارف تمويل أصغر إسلامية، إلى جانب دراسة مجموعة من الإجراءات الحكومية الممكن اتخاذها من قبل السلطة النقدية لتعزيز توجّه القطاع المصرفي نحو تمويل المشروعات متناهية الصغر والصغيرة.

Qassim1965@gmail.com